ثمّ تحول زمام الحديث إلى بحث التوحيد الذي مرّ ذكره في الآيات الأولى لهذه السورة ،فتعطي المشركين دروساً بليغة مؤثرة في توحيد الله سبحانه ومعرفته .
فتارة تدغدغ عواطفهم ،وتقول: ( الله الذي سخر لكم البحر لتجري الفلك فيه بأمره ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون ) .
من الذي أودع في مادة السفن الأصلية خاصية الطفو على الماء وعدم الغطس ؟ومن الذي جعل الماء فراشاً ناعماً حركتها حتى استطاعت أن تسير فيه بكلّ سهولة ويسر ؟ومن الذي أمر الرياح أن تمرّ على سطح المحيطات بصورة منتظمة لتحرك السفن وتسيرها ؟أو يحل قوّة البخار محل الهواء ليزيد من سرعة هذه السفن العظيمة ؟
نحن نعلم أنّ أكبر وسائط نقل الإنسان وأهمها في الماضي والحاضر هي السفن الصغيرة والكبيرة ،والتي تنقل على مدار السنة ملايين البشر ،وأكثر من ذلك البضائع التجارية من أقصى نقاط العالم إلى المناطق المختلفة ،وقد تكون السفن أحياناً بسعة مدينة صغيرة ،وسكانها بعدد سكانها ،وهي مجهزة بمختلف الوسائل والأموال .
حقاً لو لم تكن هذه القوى الثلاث ،أفيكون بمقدور الإنسان أن يحل مشاكل حمله ونقله بواسطة المراكب العادية البسيطة ؟حتى هذه المراكب والوسائط البسيطة هي بحدّ ذاتها من نعمه سبحانه ،وهي فعالة في مجالها .
والطريف أنّ الآية ( 32 ) من سورة إبراهيم تقول: ( وسخر لكم الفلك لتجري في البحر بأمره ) أمّا هنا فإنّ الآية تقول: ( سخر لكم البحر لتجري الفلك فيه ) لأنّ التأكيد هناك كان على تسخير البحار ،ولذلك اتبعتها بقولها: ( وسخر لكم الأنهار )أمّا هنا فإن الآية ناظرة إلى تسخير الفلك ،وعلى أية حال ،فإنّهما معاً مسخران للإنسان بأمر الله سبحانه ،وهما في خدمته .
إنّ الهدف من هذا التسخير هو أن تبتغوا من فضل الله ،وهذا التعبير يأتي عادة في مورد التجارة والنشاطات الاقتصادية ،ومن الطبيعي أنّ نقل المسافرين من مكان الى آخر في ضمن هذا التسخير .
والهدف من الاستفادة من فضل الله هو إثارة حس الشكر لدى البشر ،لتعبئة عواطفهم لأداء شكر المنعم ،وبعد ذلك يسيرون في طريق معرفة الله سبحانه .
كلمة «الفلك »وكما قلنا سابقاًتستعمل للمفرد والجمع .
ولمزيد من التفصيل حول تسخير البحار والفلك ،ومنافعها وبركاتها ،راجعوا ذيل الآية ( 14 ) سورة النحل .