ثمّ يضيف مبيّناً جانباً من أصحاب اليمين والجماعة المقابلة لهم:
( في جنّات يتساءلون{[5570]} عن المجرمين ما سلككم في سقر ) .
يستفاد من هذه الآيات أن الرابطة غير منقطعة بين أهل الجنان وأهل النّار ،فيمكنهم مشاهدة أحوال أهل النّار والتحدث معهم ،ولكن ماذا سيجيب المجرمون عن سؤال أصحاب اليمين ؟إنّهم يعترفون بأربع خطايا كبيرة كانوا قد ارتكبوها:
الاُولى: ( قالوا لم نكُ من المصلين ) .
لو كنّا مصلّين لذكّرتنا الصلاة باللّه تعالى ،ونهتنا عن الفحشاء والمنكر ودعتنا إلى صراط اللّه المستقيم .
والأُخرى: ( ولم نك نطعم المسكين ) .
وهذه الجملة وإن كانت تعطي معنى إطعام المحتاجين ،ولكن الظاهر أنه يراد بها المساعدة والإعانة الضرورية للمحتاجين عموماً بما ترتفع بها حوائجهم كالمأكل والملبس والمسكن وغير ذلك .
وصرّح المفسّرون أنّ المراد بها الزكاة المفروضة ،لأنّ ترك الإنفاق المستحب لا يكون سبباً في دخول النّار ،وهذه الآية تؤكّد مرّة أُخرى على أنّ الزّكاة كانت قد فرضت بمكّة بصورة إجمالية ،وإن كان التشريع بجزئياتها وتعيين خصوصياتها وتمركزها في بيت المال كان في المدينة .
والثّالثة: ( وكنّا نخوض مع الخائضين ) .
كنّا نؤيد ما يصدر ضدّ الحقّ في مجالس الباطل . نقوم بالترويج لها ،وكنّا معهم أين ما كانوا ،وكيف ما كانوا ،وكنّا نصدق أقوالهم ،ونضفي الصحة على ما ينكرون ويكذبون ونلتذ باستهزائهم الحقّ .
«نخوض »: من مادة ( خوض ) على وزن ( حوض ) ،وتعني في الأصل الغور والحركة في الماء ،ويطلق على الدخول والتلوث بالأمور ،والقرآن غالباً ما يستعمل هذه اللفظة في الاشتغال بالباطل والغور فيه .
( الخوض في الباطل ) له معان واسعة فهو يشمل الدخول في المجالس التي تتعرض فيها آيات اللّه للاستهزاء أو ما تروج فيها البدع ،أو المزاح الواقح ،أو التحدث عن المحارم المرتكبة بعنوان الافتخار والتلذذ بذكرها ،وكذلك المشاركة في مجالس الغيبة والاتهام واللهو واللعب وأمثال ذلك ،ولكن المعنى الذي انصرفت إليه الآية هو الخوض في مجالس الاستهزاء بالدين والمقدسات وتضعيفها وترويج الكفر والشرك .