«الجوار »: جمع ( جارية ) ،وهي الشيء الذي تتحرك بسرعة .
«الكنّس »: جمع ( كانس ) ،من ( كنس ) ،على وزن ( شمس ) ،وهو الاختفاء ،و«كناس » الطير والوحش: بيت يتخذه .
ولكنْ ...ما هي الأشياء المقصودة بهذا القسم ؟
يعتقد كثير من المفسّرين ،إنّها الكواكب{[5817]} الخمسة السيارة التي في منظومتنا الشمسية ،والتي يمكن رؤيتها بالعين المجرّدة ( عطارد ،الزهرة ،المريخ ،المشتري وزحل ) .
ونقول توضيحاً: لو تأملنا السماء عدّة ليال ،لرأينا أنّ نجوم السماء أو القبة السماوية تظهر و تغيب بشكل جماعي من دون أنْ تتغير الفواصل والمسافات فيما بينها ،وكأنّها لئاليء خيطت على قطعة قماش داكن اللون ،وهذه القطعة تتحرك من المشرق إلى المغرب ،إلاّ خمسة كواكب قد خرجت عن هذه القاعدة ،فنراها تتحرك وليس بينها وبين بقية النجوم فواصل ثابتة ،وكأنّها لئاليء قد وضعت على تلك القطعة وضعاً ،من دون أنْ تخيّط بها !
وهذه الكواكب الخمس هي المقصود في هذا التفسير ،وما نلاحظه من حركتها إنّما تكون لقربها منّا لا نتمكن من تمييز حركات بقية النجوم لعظم المسافة فيما بيننا وبينها .
ومن جهة أُخرى: ينبغي التنويه إلى أنّ علماء الفلك يطلقون على هذه الكواكب اسم ( الكواكب المتحيرة ) ،لأنّها لا تتحرك على خط مستقيم ثابت ،فتراها تسير باتجاه معين من الزمن ثمّ تعود قليلا ومن ثمّ تتابع مسيرها الأوّل وهكذا ...ولهؤلاء العلماء من البحوث العلمية في تحليل هذه الظاهرة .
وعليه ...يمكن حمل إشارة الآيات إلى الكواكب السيّارة «الجوار » ،التي في سيرها لها رجوع «الخنس » ،ثمّ تختفي عند طلوع الفجر وشروق الشمس ...فهي تشبه غزالا يتصيد طعامه في الليل وما أنْ يحّل النهار حتى يختفي عن أنظار الصيادين والحيوانات المفترسة فيذهب إلى «كناسه » ،ولذا وصفت الكواكبب «الكنّس » ،.
وثمّة احتمال آخر: «الكنّس »: اختفاء الكواكب في ضوء الشمس .
أي إنّها حينما تدور حول الشمس ،تصل في بعض الوقت إلى نقطة مجاورة للشمس فيختفي نورها تماماً عن الأبصار ،وهو ما يعبّر عنه علماء الفلكب ( الاحتراق ) .
و«الكنّس »: في نظر بعض آخر: إشارة إلى دخول الكواكب في البروج السماوية ،وذلك الدخول يشبه اختفاء الغزلان في أماكن أمنها .
وكما هو معروف ،إنّ كواكب مجموعتنا الشمسية لا تنحصر بهذه الكواكب الخمس ،بل ثمة ثلاثة كواكب أُخرى( أُورانوس ،بلوتون ،نبتون ) ولكنّها لا ترى بالعين المجرّدة لبعدها عنّا ،وللكثير من هذه السيّارات قمراً أو أقماراً ،،فعدد كواكب هذه المجموعة بالإضافة إلى الأرض هو تسعة كواكب .
و«الجواري »: توصيف جميل لحركة الكواكب ،حيث شبّه بحركة السفن على سطح البحر .
وعلى أيّة حال ،فكأنّ القرآن الكريم يريد بهذا القسم المليء بالمعاني الممتزجة بنوع من الإبهام ،كأنّه يريد إثارة الفكر الإنساني ،وتوجيهه صوب الكواكب السيّارة ذات الوضع الخاص على القبة السماوية ،ليتأمل أمرها وقدرة وعظمة خالقها سبحانه وتعالى .
وثمّة احتمالات أُخرى في هذا الموضوع أهملناها لضعفها .
وروي عن أمير المؤمنين( عليه السلام ) أنّه قال في تفسير الآيات المذكورة:«هي خمسة أنجم: زحل ،والمشتري ،والمريخ ،والزهرة ،وعطارد »{[5818]} .