وهؤلاء الحفظة لهم مقام كريم عند اللّه تعالى ودائبين على كتابة أعمالكم: ( كراماً كاتبين ) .
( يعلمون ما تفعلون ) .
و«الحافظين »: هم الملائكة المكلفون بحفظ وتسجيل أعمال الإنسان من خير أو شرّ ،كما سمّتهم الآية ( 17 ) من سورة ( ق ) بالرقيب العتيد: ( ما يلفظ من قول إلاّ لديه رقيب عتيد ) ،كما ذكرتهم الآية ( 16 ) من نفس السورة: ( إذ يتلقى المتلقيان عن اليمين وعن الشمال قعيد ) .
وثمّة آيات قرآنية اُخرى تشير إلى رقابة الملائكة لما يفعله الإنسان في حياته .
إنّ نظر وشهادة اللّه عزّ وجلّ على أعمال الإنسان ،ممّا لا شك فيه ،فهو الناظر لما يبدر من الإنسان قبل أيَّ أحد ،وأدق من كلِّ شيء ،ولكنّه سبحانه ولزيادة التأكيد ولتحسيس الإنسان بعظم مسؤولية ما يؤديه ،فقد وضع مراقبين يشهدون على الإنسان يوم الحساب ،ومنهم هؤلاء الملائكة الكرام .
وقد فصّلنا أقسام المراقبين الذين يحفون بالإنسان من كلِّ جهة ،وذلك ذيل الآيتين ( 20 و21 ) من سورة فصّلت ،ونوردها هنا إجمالاً ،وهي على سبعة أقسام .
أوّلاً: ذات اللّه المقدّسة ،كما في قوله تعالى: ( ولا تعملون من عمل إلاّ كنّا عليكم شهوداً إذ تفيضون فيه ){[5829]} .
ثانياً: الأنبياء والأوصياء( عليهم السلام ) ،بدلالة قوله تعالى: ( فكيف إذا جئنا من كلّ اُمّة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيداً ){[5830]} .
ثالثاً: أعضاء بدن الإنسان ،بدلالة قوله تعالى: ( يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون ){[5831]} .
رابعاً: جلد الإنسان وسمعه وبصره ،بدلالة قوله تعالى: ( حتّى إذا ما جاؤوها شهد عليهم سمعهم وأبصارهم وجلودهم بما كانوا يعملون ){[5832]} .
خامساً: الملائكة ،بدلالة قوله تعالى:( وجاءت كلّ نفس معها سائق وشهيد ){[5833]} ،وبدلالة الآية المبحوثة أيضاً .
سادساً: الأرض ..المكان الذي يعيش عليه الإنسان ،بدلالة قوله تعالى: ( يومئذ تُحدِّثُ أخبارها ){[5834]} .
سابعاً: الزمان الذي تجري فيه أعمال الإنسان ،بدلالة ما روي عن الإمام علي( عليه السلام ) في وقوله: «ما من يوم يمرّ على ابن آدم إلاّ قال له ذلك اليوم: يا ابن آدم أنا يوم جديد وأنا عليك شهيد »{[5835]} .
وفي كتاب الإحتجاج للشيخ الطبرسي: إنّ شخصاً سأل الإمام الصادق( عليه السلام )عن علّة وضع الملائكة لتسجيل أعمال الإنسان في حين أنّ اللّه عزّ وجلّ عالم السرّ وأخفى ؟
فقال الإمام( عليه السلام ): «استعبدهم بذلك ،وجعلهم شهوداً على خلقه ،ليكون العباد لملازمتهم إيّاهم أشدّ على طاعة اللّه مواظبة ،وعن معصيته أشدّ انقباضاً ،وكم من عبد يهم بمعصية فذكر مكانهما فارعوى وكفّ ،فيقول ربّي يراني ،وحفظتي عليّ بذلك يشهد ،وأنّ برأفته ولطفه وكّلهم بعباده ،يذبّون عنهم مردة الشياطين ،وهوام الأرض ،وآفات كثيرة من حيث لا يرون بإذن اللّه ،إلى أن يجيء أمر اللّه عزّ وجلّ »{[5836]} .
ويستفاد من هذه الرواية أنّ للملائكة وظائف أُخرى إضافة لتسجيلهم لأعمال الإنسان كحفظ الإنسان من الحوادث والآفات ووساوس الشيطان .
( وقد بحثنا موضوع وظائف ومهام الملائكة بتفصيل في ذيل الآية ( 1 ) من سورة فاطرفراجع ) .
وقد وصفت الآيات المبحوثة هؤلاء الملائكة بأنّهم «كرام » ،ليكون الإنسان أكثر دقّة في مراقبة نفسه وأعماله ،لأنّ الناظر كلّما كان ذا شأن كبير ،تحفظ الإنسان منه أكثر وأكثر واستحى من فعل المعاصي أمامه .
وعلّة ذكر «كاتبين » للتأكيد على إنّهم لا يكتفون بالمراقبة والحفظ دون تسجيل ذلك بدقّة متناهية .
/خ12