وبعد ذكر نِعَم: «الأرائك » ،«النظر » ،«الاطمئنان والسعادة » .. تذكر الآية التالية نعمة شراب الجنّة ،فتقول: ( يسقون من رحيق مختوم ) .
إنّه ليس كشراب أهل الدنيا الشيطاني ،بما يحمل من خبث دافع إلى المعاصي والجنون ،بل هو شراب طاهر يذكي العقول ويدب النشاط والصفاء في شاربه .
و«الرحيق »كما اعتبره المفسّرون: هو الشراب الخالص الذي لا يشوبه أيَّ غش أو تلوث .
و«مختوم »: إشارة إلى أنّه أصلي ويحمل كلّ صفاته المميزة عن غيره من الأشربة ولا يجاريه شراب قطّ ،وهذا بحدّ ذاته تأكيد آخر على خلوص الشراب وطهارته .
والختم بالصورة المذكورة يظهر مدى الاحترام الخاص لأهل الجنّة ،حيث أنّ ذلك الإحكام وتلك الأختام مختصة لهم ،ولا يفتحها أحد سواهم{[5865]} .
بحث
2خمور الجنّة
تبيّن لنا مختلف الآيات في القرآن الكريم أنّ ثمة ألوان من الأشربة والخمور الطاهرة بأسماء وكيفيات مختلفة ،تباين خمور أهل الدنيا الملوثة من جميع جهاتها ،فهذه: تأخذ بلبّ الإنسان صوب التيه ،توصل شاربها لحال الجنون ،كريهة الطعم والرائحة ،وتزرع عند شاربها العداوة والبغضاء ،تؤدي إلى سفك الدماء وتبث الرذيلة والفساد ...أمّا تلك: تذكي عقل شاربها وتصفو به ،وتزيده نشاطاً وحيوية ،ذات عطر لا يوصف وطهارة خالصة ،ويغوص شاربها في نشوة روحية نقية راقية .
وذكرت السّورة المبحوثة نوعين منها: ( الرحيق المختوم ) و«التسنيم » في حين ذكرت سورة الدهر أنواعاً أخرى ،وفي سور أخرىوقد تعرضنا لها في محلها .
وتؤكّد الأحاديث والرّوايات على أنّ تلك الأشربة خالصة لمن تنزّه عن الولوغ في خمور الدنيا الخبيثة .
فعن النّبي( صلى الله عليه وآله وسلم ) أنّه قال لأمير المؤمنين( عليه السلام ): «يا عليّ من ترك الخمر للّه سقاه اللّه من الرحيق المختوم »{[5866]} .
وفي حديث آخر أنّه( عليه السلام ) سأله عن هذا الترك أنّه حتى لو كان: «لغير اللّه » ؟،قال( صلى الله عليه وآله وسلم ): «نعم واللّه ،صيانة لنفسه فيشكره اللّه تعالى عن ذلك »{[5867]} .
نعم ،فهؤلاء من أولي الألباب ،الذين تناولت ذكرهم الآية ( 193 ) من سورة آل عمران ،وأولي الألباب مع الأبرار في تناول تلك الأشربة الطاهرة .
وروي عن الإمام زين العابدين عليّ بن الحسين( عليه السلام ) أنّه قال: «مَن سقى مؤمناً من ظمأ سقاه اللّه من الرحيق المختوم »{[5868]} .
وجاء في حديث آخر: «مَن صام للّه في يوم صائف ،سقاه اللّه من الظمأ من الرحيق المختوم »{[5869]}