/م29
وفي آخر آيات السّورة ،يقول القرآن مستفهماً: ( هل ثوّب الكفار ما كانوا يفعلون ){[5876]} .
فهذا القول سواء صدر من اللّه ،أو من الملائكة ،أو من المؤمنين ،فهو في كلّ الحالات يمثل طعناً واستهزاءاً بأفكار وادعاءات اُولئك المغرورون ،الذين كانوا يتصورون أنّ اللّه سيثيبهم على أعمالهم القبيحة ،ويأتيهم النداء ردّاً على خطل تفكيرهم: ( هل ثوّب الكفار ما كانوا يفعلون ) .
واعتبر كثير من المفسّرين أنّ الآية ( جملة مستقلة ) ،في حين اعتبرها آخرون تابعة للآية التي قبلها ،أيّ: إنّ المؤمنين سيجلسون على الأرائك ينظرون هل أن الكفار نالوا جزاءهم العادل ؟
فإنّ كانوا يرجون ثواباً فليأخذوه من الشيطان !...ولكن هل بإمكان هذا اللعين المطرود من رحمة اللّه أن يثيبهم على ما عملوا له ؟!
«ثوّب »: من ( الثوب ) على وزن ( جوف ) ،وهو رجوع الشيء إلى حالته الأولى التي كان عليها ،و«الثواب »: ما يرجع إلى الإنسان جزاء أعماله ،ويستعمل للخير والشرّ أيضاً ،ولكن استعماله للخير هو الغالب{[5877]} .
وعليه ،فالآية تشير إلى الطعن بالكفار كنتيجة طبيعية لاستهزائهم بالمؤمنين وبآيات اللّه في الحياة الدنيا ،وما عليهم إلاّ أن يتقبلوا جزاء ما كسبت أيديهم .
بحث
الاستهزاء ..سلاح بائس:
من الحراب التي طالما شُهرت في وجوه الأنبياء( عليهم السلام ) عبر التاريخ ..حربة الاستهزاء والسخرية ،وعكست لنا الآيات القرآنية مراراً تلك الصور التي تحكي هذا الموضوع ،ولا عجب في ذلك حين صدور الاستهزاء من أناس ابتلوا بالظلم والكفر ،لأنّ مصدر كفرهم وظلمهم هو عقدة الغرور والتكبر التي تدفعهم للنظر إلى الآخرين بعين التحقير والتصغير .
ولم ينفلت زماننا المعاش من مدار تلك الأساليب القديمة ،فما زال الإعلام الكافر وعبر وسائله التقنية ،ما زال يبذل كلّ ما في جهده في استعمال ذات الحربة القديمة ،عسى أن يُخرج الحقّ وأتباعه من الميدان ،وبواجهات عدّة ،ومنها تلك التي يسمّونها برامج الترفيه والفكاهة .
ولكنّ المؤمنين أقوى من أن تزلزلهم تلك الألاعيب الماكرة الواهية ،وهم مطمئنون تماماً بالوعد الإلهي الحق ،كما ورد في الآيات أعلاه .
وما استعمال أساليب السخرية والغمز والضحك في قبال دعوة تدعو إلى الحق إلاّ كاشف عن جهالة وغرور أولئك المساكين .
فحتى على فرض عدم الإيمان بالدين الحق ،أو ليس المنطق السليم والحجّة القاطعة هي سلاح الإنسان العاقل ؟فأين هم من إنسانيتهم أمام ما يمارسونه ؟!...