قوله تعالى{الله يعلم ما تحمل كل أنثى وما تغيض الأرحام وما تزداد}
قال الشيخ الشنقيطي: لفظه في هذه الآية يحتمل أن تكون موصولة والعائد محذوف ،أي يعلم الذي تحمله كل أنثى وعلى هذا فالمعنى: يعلم ما تحمله من الولد على أي حال هو من ذكورة وأنوثة ،وخداج ،وحسن وقبح ،وطول وقصر ،وسعادة وشقاوة إلى غير ذلك من الأحوال .وقد دلت على هذا المعنى آيات من كتاب الله كقوله:{ويعلم ما في الأرحام} ،لأن ما فيه موصولة بلا نزاع ،وكقوله:{هو أعلم بكم إذ أنشأكم من الأرض وإذ أنتم أجنة في بطون أمهاتكم} وقوله:{هو الذي يصوركم في الأرحام كيف يشاء} الآية .
ويحتمل أيضا أن تكون لفظة ما في هذه الآية الكريمة مصدرية ،أي يعلم حمل كل أنثى بالمعنى المصدري ،وقد جاءت آيات تدل أيضا على هذا المعنى كقوله{وما تحمل من أنثى ولا تضع إلا بعلمه وما يعمر من معمر ولا ينقص من عمره إلا في كتاب} ،وقوله:{إليه يرد علم الساعة وما تخرج من ثمرات من أكمامها وما تحمل من أنثى ولا تضع إلا بعلمه} الآية .
قال البخاري: حدثني إبراهيم ابن المنذر ،حدثنا معن قال: حدثني مالك عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"مفاتيح الغيب خمس لا يعلمها إلا الله لا يعلم ما في غد إلا الله ،ولا يعلم ما تغيض الأرحام إلا الله ،ولا يعلم متى يأتي المطر أحد إلا الله ولا تدري نفس بأي أرض تموت ،ولا يعلم متى تقوم الساعة إلا الله ".
( الصحيح8/225-ك التفسير-سورة الرعد ح4697 ) .
قال البخاري: حدثنا أبو الوليد هشام بن عبد الملك ،حدثنا شعبة ،أنبأني سليمان الأعمش قال: سمعت زيد بن وهب ،عن عبد الله قال: حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق قال:"إن أحدكم يُجمع في بطن أمه أربعين يوما ،ثم علقة مثل ذلك ،ثم يكون مضغة مثل ذلك ،ثم يبعث الله ملكا فيؤمر بأربع: برزقه وأجله ،وشقي أو سعيد ،ثم ينفخ فيه الروح .فوالله إن أحدكم -أو الرجل- ليعمل بعمل أهل النار ،حتى ما يكون بينه وبينها غير باع أو ذراع ،فيسبق عليه الكتاب ،فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها .وإن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها غير ذراع أو ذراعين ،فيسبق عليه الكتاب ،فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها "قال آدم: إلا ذراع .
( الصحيح11/486ح6594-القدر ) ،وأخرجه مسلم ( الصحيح-ك القدر ،ب كيفية خلق الآدمي في بطن أمه ) .
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قوله:{وما تغيض الأرحام وما تزداد} قال: المرأة ترى الدم ،وتحمل أكثر من تسعة أشهر .
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله:{الله يعلم ما تحمل كل أنثى وما تغيض الأرحام وما تزداد} ،قال: كان الحسن يقول: الغيضوضة ،أن تضع المرأة لستة أشهر أو لسبعة أشهر ،أو لما دون الحد ،قال قتادة: وأما الزيادة فما زاد على تسعة أشهر .
قوله تعالى{وكل شيء عنده بمقدار}
قال البخاري: حدثنا مالك بن إسماعيل ،حدثنا إسرائيل ،عن عاصم ،عن أبي عثمان ،عن أسامة قال: كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ جاءه رسول إحدى بناته -وعنده سعد وأبيّ بن كعب ومعاذ- أن ابنها يجود بنفسه ،فبعث إليها:"لله ما أخذ ولله ما أعطى ،كل بأجل ،فلتصبر ولتحتسب ".
( الصحيح11/503 ح6602-ك القدر ،ب{وكان أمر الله قدرا مقدورا} ،وأخرجه مسلم ( الصحيح2/635-636 ح923-ك الجنائز ،ب البكاء على الميت ) .
ورواية الطبري الآتية تبين مناسبة إيراد حديث البخاري عند الآية .
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله:{وكل شيء عنده بمقدار} ،إي والله ،لقد حفظ عليهم رزقهم وآجالهم ،وجعل لهم أجلا معلوما .