قوله تعالى:{اللّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنثَى وَمَا تَغِيضُ الأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِندَهُ بِمِقْدَارٍ 8 عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ}{ما} ،في هذه المواضع من هذه الآية اسم موصول بمعنى الذي .وهي في موضع نصب مفعول به{[2321]} .
وهذه الجملة مستأنفة نزجي بالحقيقة الراسخة على أن الله وحده العالم بما تحمله الإناث في بطونها من ذكر وإناث ،أو طيبين أو خبيثين ،أو مليحين وقبيحين ،أو سعداء أو أشقياء ،أو أذكياء أو أغبياء وغير ذلك من الصفات الخلقية والخلقية .فذلك كله من علم الله وحده .وهو علم محيط بكل شيء ،فما يكون من خطرة ولا خلجة ولا خفقة ولا نبسة ولا همسة ولا خبر مستور ومستكن في السموات أو الأرضين إلا يعلمه الله قبل أن يكون .
وتعرض ثمة مسألة عن إمكانية الوقوف على حقيقة الجنين من حيث كونه ذكرا أو أنثى أو كونه توأمين أو أكثر .وذلك عن طريق المتخصصين من أهل الطب أو تصوير الأجنة .فما ينبغي أن تلفتنا هذه المعرفة الحديثة أيما لفت عن حقيقية الآية .وهي تفيد بعمومها أن الله لهو وحده العالم بما تكنه الأرحام من حقائق الأجنة وأخبارها .وعلم الله في ذلك يتناول كل ما يندرج في عالم الجنين المستور من ظواهر وأخبار عما يفضي إليه هذا الجنين من الصفات الكثيرة .ومن جملتها كونه ذكرا أو أنثى .لكن جل الصفات وهي الأكثر والأهم –لا جرم تظل مكنونة مجهولة لا يعيها أو يدري أحد في العالمين بها إلا عقب الاندلاق إلى الدنيا ثم اكتمال الشخصية من كل جوانبها الجسدية والنفسية والعقلية ،وما يتخرج عن ذلك من صفات .أما قبل ذلك كله فأنى للمخاليق وأهل الخبرة أن يطلعوا عليه في المخلوق وهو جنين في بطن أمه ،سواء كان بويضة ملقحة ،أو علقة ،أو مضغة ،أو أكثر من ذلك ؟!.
قوله:{وَمَا تَغِيضُ الأَرْحَامُ}{تغيض} ،من الغيض وهو النقصان سواء كان لازما أو متعديا .يقال: غاض الماء ،وغضته أنا .
أما تأويل الغيض والازدياد فموضع خلاف ،والراجح أن ذلك متعلق بمدة الولادة ؛فقد قيل: غيض الأرحام أن تكون مدة الولادة دون تسعة أشهر ،أما ازدياد الأرحام ؛فهو أن تكون مدة الولادة أكثر من تسعة أشهر إلى عشرة أو أزيد عليها إلى سنتين عند الإمام أبي حنيفة .وإلى أربع سنين عند الإمام الشافعي ،وإلى خمس عند الإمام مالك .
وقيل: غيض الأرحام معناه السقط .وما يزداد ،أي بولادته تماما ،وقيل غير ذلك .
قوله:{وَكُلُّ شَيْءٍ عِندَهُ بِمِقْدَارٍ} كل شيء من حدث أو واقعة أو نحوهما ،إنما يكون بقدر واحد لا يكون دونه ولا يجاوزه ؛فهو مقدور لا يحتمل النقص أو الزيادة ولا التغيير أو التبديل إلا أن يشاء الله .سواء في ذلك ما يمكثه الولد في بطن أمه إلى خروجه ،وما كتب الله له من الرزق والأجل ،كل ذلك بقدر .