قوله تعالى{واستفزز من استطعت منهم بصوتك وأجلب عليهم بخيلك ورجلك وشاركهم في الأموال والأولاد وعدهم وما يعدهم الشيطان إلا غرورا}
أخرج الطبري بسنده الحسن من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس{واستفزز من استطعت منهم بصوتك} قال صوته كل داع دعا إلى معصية الله .
أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة في قوله تعالى:{واستفزز من استطعت منهم بصوتك} قال: بدعائك{واجلب عليهم بخيلك ورجلك} قال: إن له خيلا ورجلا من الجن والإنس هم الذين يطيعونه .
أخرج الطبري بسنده الحسن من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله{وأجلب عليهم بخيلك ورجلك} قال: خيله كل راكب في معصية الله ورجله كل راجل في معصية الله .
وبه عن ابن عباس{وشاركهم في الأموال والأولاد} قال كل مال في معصية الله .
وبه عن ابن عباس{وشاركهم في الأموال الأولاد} قال ما قتلوا من أولادهم ،وأتوا فيهم الحرام .
أخرج آدم بن إياس والطبري بالسند الصحيح عن مجاهد قال: أما شركته في الأموال فأكلها بغير طاعة الله وأما في الأولاد فالزنا .
أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة قوله تعالى{وشاركهم في الأموال والأولاد} قال: قد فعل: أما في الأموال فأمرهم أن يجعلوها بحيرة وسائبة ووصيلة وحاميا ،وأما في الأولاد فإنهم هودوهم ونصّروهم ومجسوهم .
أخرج مسلم بسنده عن عياض بن حمار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"يقول الله عز وجل: إني خلقت عبادي حنفاء ،فجاءتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم ،وحرمت عليهم ما أحللت لهم ".
( الصحيح ح2865-الجنة ،ب الصفات التي يعرف بها أهل الجنة وأهل النار ) .
أخرج الشيخان بسنديهما عن ابن عباس مرفوعا:"أما إن أحدكم إذا أتى أهله وقال: بسم الله ،اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا فرزقا ولدا لم يضره الشيطان ".
واللفظ للبخاري( الصحيح- بدء الخلق ب صفة إبليس وجنوده رقم3271 ) ،( وصحيح مسلم- النكاح ،ب ما يستحب أن يقوله عند الجماع رقم1434 ) .
قال الشيخ الشنقيطي: أما مشاركته لهم في الأموال فعلى أصناف منها ما حرموا على أنفسهم من أموالهم طاعة له كالبحائر والسوائب ونحو ذلك وما يأمرهم به من إنفاق الأموال في معصية الله تعالى ،وما يأمرهم به من اكتساب الأموال بالطرق المحرمة شرعا كالربا والغصب وأنواع الخيانات لأنهم إنما فعلوا ذلك طاعة له ،وأما مشاركته لهم في الأولاد فعلى أصناف أيضا: منها: قتلهم بعض أولادهم طاعة له ،ومنها: أنهم يمجسون أولادهم ويهودونهم وينصرونهم طاعة له وموالاة ،ومنها: تسمية أولادهم عبد الحارث وعبد شمس وعبد العزى ونحو ذلك ،لأنهم بذلك سموا أولادهم عبيدا لغير الله طاعة له ومن ذلك أولاد الزنا لأنهم إنما تسببوا وجودهم بارتكاب الفاحشة طاعة له إلى غير ذلك فإذا عرفت هذا فاعلم أن الله قد بين آيات من كتابه بعض ما تضمنته هذه الآية من مشاركة الشيطان لهم في الأموال والأولاد كقوله:{قد خسر الذين قتلوا أولادهم سفها بغير علم وحرموا ما رزقهم الله افتراء على الله قد ضلوا ما كانوا مهتدين} فقتلهم أولادهم المذكور في هذه الآية طاعة للشيطان مشاركة منه لهم في أولادهم حيث قتلوهم في طاعته ،وكذلك تحريم بعض ما رزقهم الله المذكورة في الآية طاعة له مشاركة منه لهم في أموالهم أيضا وكقوله{وجعلوا لله مما ذرأ من الحرث والأنعام نصيبا فقالوا هذا لله بزعمهم وهذا لشركائنا} الآية ،وكقوله:{وقالوا هذه أنعام وحرث حجر لا يطعمها إلا من نشاء بزعمهم وأنعام حرمت ظهورها وأنعام لا يذكرون اسم الله عليها افتراء عليه سيجزيهم بما كانوا يفترون}
قال ابن كثير وقوله:{وعدهم وما يعدهم الشيطان إلا غرورا} كما أخبر تعالى عن إبليس أنه يقول إذا حصحص الحق يوم يقضي بالحق{إن الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي فلا تلوموني ولوموا أنفسكم ما أنا بمصرخكم وما أنتم بمصرخي} الآية ،سورة إبراهيم: 22 .
قال الشيخ الشنقيطي: وقوله:{وما يعدهم الشيطان إلا غرورا} بين فيه أن مواعيد الشيطان كلها غرور وباطل كوعده لهم بأن الأصنام تشفع لهم وتقربهم عند الله زلفى ،وأن الله لما جعل لهم المال والولد في الدنيا سيجعل لهم مثل ذلك في الآخرة إلى غير ذلك من المواعيد الكاذبة ،وقد بين الله تعالى هذا المعنى في مواضع أخر كقوله:{يعدهم ويمنيهم وما يعدهم الشيطان إلا غرورا} وقوله{ولكنكم فتنتم أنفسكم وتربصتم وارتبتم وغرتكم الأماني حتى جاء أمر الله وغركم بالله الغرور} .