/م61
وَتقول للإِنسان: عليك بمُراقبة نفسك مِن خلال الجوانب الأربعة هَذهِ:
أ: البرامج التبليغية التي تجد دلالتها في التعبير القرآني ( واستفزر مَن استطعت مِنهم بصوتك ) حيث اعتبر بعض المفسّرين أنّها تعنيفقطأنغام الموسيقي الشهوانية المثيرة ،والأغاني المبتذلة ،ولكن هَذا المعنى يتسع حتى يشمل جميع البرامج الدعائية التي تقود للانحراف والتي تستخدمعادةالأجهزة الصوتية وَالسمعية .
لهذا فإنَّ أوّل برامج الشيطان هو الاستفادة مِن هذِهِ الأجهزة .هَذِه القضية تتوضح في زماننا هَذا أكثر ،لأنَّ عالمنا اليوم هُوَ عالم الأمواج الراديوية ،وَعالم الدعاية والتبليغ الواسع ،سواء كان على الصعيد السمعي أو البصري .حيثُ أنَّ الشياطين وأحزابهم في الشرق والغرب يعتمدون على هَذِه الأجهزة وَيخصصون قسماً كبيراً مِن ميزانيتهم للصرف في هَذا الطريق حتى يستعمروا عبيد الله ،وَيُحرفوهم عن طريق الحق والاستقلال ،وَيزيغوا بهم عن طريق الهداية والإِيمان والتقوى ،وَيجعلون مِنهم عبيداً تابعين لا حول لهم وَلا قوة .
ب: الاستفادة مِن القوة العسكرية: وَهذا لا يخص زماننا حيثُ أنَّ الشياطين يستخدمون القوّة العسكرية لأجل الحصول على مَناطق للنفوذ .إِنَّ الأداة العسكرية تعتبر أداةً خطرة لكل الظالمين والمستكبرين في العالم .فهؤلاء وَفي لحظة واحدة يصرخون في قواتهم العسكرية وَيرسلونها إلى المناطق التي تحاول الحصول على حريتها واستقلالها وتسعى إلى الاعتماد بقوات على قدراتها الخاصّة .
وَفي عصرنا الحاضر نرى أنّهم نظَّموا ما يسمونه بقوات ( التدخل السريع ) والذي هو نفس مفهوم ( الإجلاب ) القرآني ،وَهذا يعني أنّهم جعلوا جزءاً مِن قواتهم العسكرية على شكل قوات خاصّة كي يستطيعوا إِرسالها في أسرع وقت إلى أي منطقة مِن مَناطق العالم تتعرض فيها مصالحهم غير المشروعة للخطر ،لكي يقضوا بواسطة هَذِهِ القوات على أي حركة تطالب بالحق وتنادي بالاستقلال .
وَقبل أن تصل القوات السريعة الخاصّة هَذِهِ ،يكون هؤلاء قد هيأوا الأرضية بواسطة جواسيسهم الماهرين ،والذين هُم في الواقع كناية عن جيش المشاة ( الرجّالة ) .
إِنَّ هؤلاء في مخططاتهم هَذِهِ قد غفلوا عن أنَّ الله سبحانُه وَتعالى قد وَعَدَ أولياءه الحقيقيينفي نفس هَذِهِ الآياتبأنَّ الشيطان وَجيشه لا يستطيع أن يسيطر عليهم .
ج: البرامج الاقتصادية ذات الظاهر الإِنساني: مِن أساليب الشيطان الأُخرى المؤثرة في النفوذ والغواية ،هي المشاركة في الأموال والأنفس ،وَهُنا نرى أيضاً: أنّ بعض المفسّرين يخصص هَذِهِ المشاركة ب ( الربا ) .أمّا المشاركة في الأولاد فيحصر معناها ب «الأولاد غير الشرعيين »{[2224]} .
في حين أنَّ هاتين الكلمتين لهما معاني أوسع ،إِذ تشمل جميع الأموال المستحصلة عن طريق الحرام ،والأبناء غير الشرعيين وغيرهم .فمثلا في زماننا الحاضر نشاهد أنَّ الشياطين المستكبرين يقترحون دائماً استثمار وتأسيس الشركات ،وإيجاد مُختلف المصانع والمصالح الاقتصادية في الدول الضعيفة ،وَتحت غطاء هَذِهِ الشركات تتم مُختلف أشكال النشاطات الخطرة والضارَّة بالبلد المستضعف ،حيث يرسل الشياطين جواسيسهم تحت عنوان خبراء فنيين أو مستشارين اقتصاديين أو مهندسين تقنيين ،وَيقوم هؤلاء جميعاً بامتصاص خيرات البلد الذين هم فيه بأبرع الحيل وأظرفها ،وَيقفون حائلا بين البلد وَبين تحقيقه لاستقلاله الاقتصادي على بُنية اقتصادية تحتية حقيقية .
وَعن طريق تأسيس المدارس والجامعات والمكتبات والمستشفيات والمراكز السياحية ،فإنّهم يشاركون هذه الدول الضعيفة في أبنائها حيثُ يحاولون أن يستميلوا هؤلاء نحوهم ،وأحياناً عن طريق توفير ( المنح الدراسية ) للشباب ،فإنّهم يقومون ( بجلبهم ) نحو ثقافتهم وَيشاركونهم في أفكارهم ،وَما يترتب على ذلك مِن فساد العقيدة .
ومن الأساليب الرائجة والمخربة لهؤلاء الشياطين إيجاد مراكز الفساد تحت غطاء الفنادق العالمية وإيجاد المناطق الترفيهية ودور السينما والأفلام المبتذلة وأمثال ذلك ،حيث لا تكون هذه الوسائل أدوات لترويج الفحشاء وزيادة أولاد الزنا فحسب ،بل تؤدي إلى انحراف جيل الشباب وتميّعهم و تغرّبهم ،وتصنع منهم أشخاصاً فاقدين للإرادة .وكلما أمعنا النظر في دسائسهم و مكرهم تكشفت لنا الأخطار الكبيرة الكامنة في هذه الوساوس الشيطانية .
د: برامج التخريب النفسي: مِن البرامج الأُخرى التي يتبعها الشياطين ،الاستفادة مِن الوعود والأُمنيات الكاذبة التي يطلقونها بمختلف الحيل ،فهؤلاء الشياطين يعدّون مجموعة ماهرة وَمتمكنة مِن علماء النفس لغواية الناس البسطاء مِنهم والأذكياء ،كلا بما يناسب وَضعه ،ففي بعض الأحيان يصورون لهم حالهم بأنّهم سيصبحون قريباً مِن الدول المتمدنة والكبيرة ،أو أنَّ شبابهم لا مثيل له ،وَيستطيع الشباب في بلدانهم أن يصل مِن خلال إتباعه برامجهم إلى أوج العظمة ،وَهكذا في بلدانهم يغرقوهم في هذه الخيالات الواهية التي تتلخّص في جملة ( وعدهم ) .
في أحيان أُخرى يسلك الشياطين طريقاً معكوسة ،إِذ يصوّرون للبلد بأنَّهُلا يستطيع مُطلقاً مُواجهة القوى الكبرى ،وأنّهم مُتأخرون عن هَذِهِ القوى بمائة عام أو أكثر ،وَبهذا الأسلوب تُزرع المبررات النفسية لاستمرار التخلف وعدم انطلاق جهود البلد الضعيف نحو العمل والبناء الحقيقي .
بالطبع هَذهِ القصّة لها بدايات بعيدة ،وَطرق نفوذ الشيطان فيها لا تنحصر بواحد أو اثنتين .
وَلكنَّ ( عباد الله ) الحقيقيين والمخلصين ،وَبالإِتكاء على الوعد القرآني القاطع بالنصر ،والذي تضمنتُه هَذِهِ الآيات ،سيقومون بمحاربة الشياطينوَلا يسمحون بالتردد يساور أنفسهم ،وَهم يعلمونبرغم الأصوات الكثيرة للشياطينأنّهم سينتصرون ،وإنّهم بصبرهم وَصمودهم وبإيمانهم وَتوكلهم على الله سوف يُفشِلون الخطط الشيطانية