وقد دعاه سبحانه لأن يبذل أقصى جهده ، لأن الله تعالى قضى أن يهبطوا منا جميعا ، بعضهم لبعض عدو ، وأنه خلق لإغواء من يستطيع إغواءه من ذرية آدم ، ولذا قال تعالى:
{ واستفزز من استطعت منهم بصوتك وأجلب عليهم بخيلك ورجلك وشاركهم في الأموال والأولاد وعدهم وما يعدهم الشيطان إلا غرورا ( 64 )} .
أي استخفهم ، وحرضهم ، وحركهم إلى اتبعاك ليجيئوا إليك تابعين ، لصوتك الداعي ، وجاهر به في الدعوة إلى المعاصي ،{ وأجلب عليهم} ، أي صح عليهم بجلبة وصياح كما يدعى الجيش للقتال ، فأعد عدتك وأجلب من يكونون في جلبة لك{ بخيلك} بالذين يناصرونك من خيالة ،{ ورجلك} اسم جامع لراجل ، وفي الكلام تشبيه ، وهو تشبيه حال الشيطان في دعوته الغاوية الضالة والمستعد للشر والإغواء بحال جيش من الأشرار يستفز الأنصار الأتباع ، ويكون جلبة من خيالة وراجلين ، فهذه الحال تشبه حال جيش فساد مستعد للإغارة على الخير ، وجاء في أمر الله تعالى:{ وشاركهم في الأموال والأولاد} في الأموال التي يكتسبونها بالسحت ، ومن غير الحلال ، وفي الأولاد الذين يجيئون أيضا من غير طريق حلال ، وقال الزمخشري في هذه الجلبة وهذا الاستفزاز ما نصه:"مثلث حاله في تسلطه على من يغويه بمغوار أوقع على قوم وصوت بهم صوتا يستفزهم من أماكنهم ، ويقلقهم من مراكزهم ، وأجلب عليهم بجند من خيالة ورجاله حتى استأصلهم"أي حتى أزال كل ما فيهم من عناصر ، أو غلب عليهم عناصر الشر ، ثم تكلم عن المشاركة في الأموال ، فقال:"وأما المشاركة في الأموال والأولاد فكل معصية يحملهم عليها ، كالربا والمكاسب المحرمة ، والبحيرة السائبة والإنفاق في الفسوق ، والإسراف ، ومنع الزكاة والتواصل إلى الأولاد بالسبب الحرام ، ودعوى ولد بغير سبب".
ومعنى هذه المشاركة في الأموال أنه يشاركهم في إثمها ، والعذاب عليها لا أنه يشركهم فيها بالأخذ ، إنه لا يريد منهم إلا الإغواء ، فهو يغويهم ، ويشاركهم في كل مآثم الإغواء .
{ وعدهم} المواعيد الباطلة من المعبودات الأخرى غير الله التي تشفع لهم – في اعتقادهم – عند الله ، وتمنع عنهم ، وأن ذوي الأنساب هم يوم القيامة لهم المنزلة ، كما هي لهم في الدنيا ، واذكر لهم أيضا أن الحياة الدنيا هي كل شيء ،{ وما يعدهم الشيطان إلا غرورا} ، أي إلا أمورا تخدعهم ، ولا يكون فيها جزاء ، بل هي أوهام في أوهام ، وإن الشيطان يولد فيهم الأوهام الكاذبة فيتصورون غير الواقع واقعا ، وبذلك يدلون بغرور .
هؤلاء هم الذين رضوا بأن يكونوا أتباعا للشيطان حيث أغواهم ، أما عباد الله المخلصون فليس للشيطان عليهم سلطان ، وقد تخلصوا من غوايته ، وقال الله تعالى فيهم:
{ إن عبادي ليس لك عليهم سلطان وكفى بربك وكيلا ( 65 )} .