قوله تعالى{يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيرا منهن ولا تلمزوا أنفسكم ...} .
قال ابن كثير: ينهى تعالى عن السخرية بالناس ،وهو احتقارهم والاستهزاء بهم كما ثبت في الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( الكبر بطر الحق وغمص الناس- ويروي: وغمط الناس ) والمراد من ذلك احتقارهم واستصغارهم ،وهذا حرام ،فإنه قد يكون المحتقَر أعظم قدرا عند الله وأحب إليه من الساخر منه المحتقر له ،ولهذا قال{يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيرا منهن} فنص على نهي الرجال وعطف ينهي النساء .وقوله{ولا تلمزوا أنفسكم} أي: لا تلمزوا الناس .والهماز اللماز من الرجال مذموم ملعون ،كما قال{ويل لكل همزة لمزة} فالهمز بالفعل واللمز بالقول ،كما قال{هماز مشاء بنميم} أي يحتقر الناس ويهمزهم طعنا عليهم ،ويمشي بينهم بالنميمة وهي: اللمز بالمقال .
قوله تعالى{ولا تنابزوا بالألقاب بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان ...}
قال أبو داود: حدثنا موسى بن إسماعيل ،ثنا وهيب ،عن داود ،عن عامر قال: حدثني أبو جبيرة بن الضحاك قال: نزلت هذه الآية في بني سلمة{ولا تنابزوا بالألقاب بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان} قال: قدم علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس منا رجل إلا وله اسمان أو ثلاثة ،فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ( يا فلان ) فيقولون: مه يا رسول الله ،إنه يغضب من هذا الاسم ،فأنزلت هذه الآية{ولا تنابزوا بالألقاب} .
( السنن 4/290 ،291 ح 4962- ك الأدب ،ب في الألقاب ) ،وأخرجه الترمذي ( السنن 5/388 ح 3268 ) ،وابن ماجة ( السنن 2/1231 ح 3741 ) ،وأحمد ( المسند 4/260 ) ،والطبري ( التفسير- سورة الحجرات 26/132 ) ،والحاكم ( المستدرك 2/463 ) من طرق عن داود بن أبي هند به .قال الترمذي: حديث حسن صحيح .وقال الحاكم: حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه ،ووافقه الذهبي .وقال الألباني: صحيح ( صحيح أبي داود ح 4151 ،وصحيح الترمذي ح 2606 ) .
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد{لا يسخر قوم من قوم} قال: لا يهزأ قوم بقوم أن يسأل رجل فقير غنيا أو فقيرا ،وإن تفضل عليه رجل بشيء فلا يستهزئ به .
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد ،في قوله{ولا تلمزوا أنفسكم} قال: لا تطعنوا .
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله{ولا تلمزوا أنفسكم} يقول: ولا يطعن بعضكم على بعض .
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة ،قوله{ولا تنابزوا بالألقاب} يقول للرجل: لا تقل لأخيك المسلم: ذاك فاسق ،ذاك منافق ،نهى الله المسلمين عن ذلك وقدم فيه .