قوله تعالى:{يا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ لاَ يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُواْ خَيْراً مِّنْهُمْ وَلاَ نِسَآءٌ مِّن نِّسَآءٍ عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْراً مِّنْهُنَّ} .
قوله:{لاَ يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ} أي لا يستخفوا ولا يستهزؤوا بهم ،والعرب تقول: سخر منه بكسر الخاء ،يسخر بفتح الخاء على القياس ،إذا استهزأ به واستخف .
وقد نهى الله جل وعلا في هذه الآية الكريمة عن السخرية من الناس ،مبيناً أن المسخور منه قد يكون خيراً من الساخر .
ومن أقبح القبيح استخفاف الدنيء الأرذل بالأكرم الأفضل ،واستهزاؤه به .
وما تضمنته هذه الآية الكريمة من النهي عن السخرية جاء ذم فاعله وعقوبته عند الله في غير هذا الموضع ،كقوله تعالى:{الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ إِلاَّ جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [ التوبة: 79] .
وقد بين تعالى أن الكفار المترفين في الدنيا كانوا يسخرون من ضعاف المؤمنين في دار الدنيا ،وأن أولئك يسخرون من الكفار يوم القيامة ،كما قال تعالى:{زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ الحياة الدُّنْيَا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ ءَامَنُواْ وَالَّذِينَ اتَّقَواْ فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [ البقرة: 212] وقال تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُواْ كَانُواْ مِنَ الَّذِينَ ءَامَنُواْ يَضْحَكُونَ وَإِذَا مَرُّواْ بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ} إلى قوله تعالى:{فَالْيَوْمَ الَّذِينَ ءَامَنُواْ مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ عَلَى الأرَآئِكِ يَنظُرُونَ هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ} [ المطففين: 29 -36] .
فلا ينبغي لمن رأى مسلماً في حالة رثة تظهر بها عليه آثار الفقر والضعف أن يسخر منه لهذه الآيات التي ذكرنا .قوله تعالى:{وَلاَ تَلْمِزُواْ أَنفُسَكُمْ} .أي لا يلمز أحدكم أخاه كما تقدم إيضاحه في سورة بني إسرائيل في الكلام على قوله تعالى:{إِنَّ هذا الْقُرْءَانَ يِهْدِى للتي هي أَقْوَمُ} [ الإسراء: 9] .
وقد أوعد الله جل وعلا الذين يلمزون الناس في قوله تعالى:{وَيْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ} [ الهمزة: 1] ،والهمزة كثير الهمز للناس ،واللمزة كثير اللمز .
قال بعض العلماء: الهمز يكون بالفعل كالغمز بالعين احتقاراً وازدراء ،واللمز باللسان ،وتدخل فيه الغيبة .