قوله تعالى:{ولله غيب السموات والأرض وإليه يرجع الأمر كله فاعبده وتوكل عليه وما ربك بغافل عما تعلمون} .
ذلك حسن الختام لهذه السورة العظيمة .وذلك هو شأن القرآن في روعة الختام لكل سورة من سوره .فما تتتابع الآيات في السورة الواحدة تتابعا لينا ومثيرا ومرغوبا حتى يفضي إلى الختام في يسر وسلاسة وجمال ،وفي غاية من الترابط المحكم الوثيق الذي يقرع الذهن لكمال فحواه ومعناه ،ويثير الوجدان لحلاوة رصفه ومبناه .وهذه ظاهرة من ظواهر الإعجاز في هذا الكتاب الحكيم .وذلكم هو جمال التعبير وروعة التعقيب المؤثر المنسجم في الآيات الخواتيم لكل السور .ويشهد لذلك ما نجده في هذه الآية المباركة التي تضم جملة حقائق مختلفة كبريات تفيض منها النداوة والطلاوة وبالغ التأثير ،وما يقوي على اختلاف مثل ذلك بشر .تلكم أربعة معان عظيمات منسجمة تتلاحم فيما بينهما خير تلاحم .وذك في بضع عبارات مترابطة ومتسقة في آية الختام .
وأول هذه الحقائق{ولله غيب السموات والأرض} الله وحده عليم بالمغيبات من الأشياء والحقائق في هذا الكون المعمور ؛فما من شيء ولا نبأ ولا خبر ولا مستور ولا منظور ،صغيرا أم كبيرا إلا يعلمه الله .
والحقيقية الثانية:{وإليه يرجع الأمر كله} إلى الله المعاد والمصير ،فإليه مرجع كل المحدثات والكائنات من ملائكة وإنس وجن ،مؤمنين وكافرين ،فكل شيء صائر إليه يوم القيامة حيث الحشر والتلاقي والحساب .
والحقيقة الثالثة:{فاعبده وتوكل عليه} يأمر الله نبيه الكريم صلى الله عليه وسلم والذين آمنوا معه أن يعبدوه وحده لا شريك له فيمتثلوا لأحكامه ويطيعوه فيما أمر ،وأن يعتمدوا عليه ويركنوا إليه جنابة تمام الركون ؛فإنه خير نصير ومعوان للطائعين المتوكلين عليه المستندين على جلاله .
والحقيقة الرابعة{وما ربك بغافل عما تعلمون} ذلك تهديد من الله للمشركين الضالين الذين خسروا أنفسهم في الدنيا والآخرة ؛فالله ليس بساه عن أفعال المشركين المنكرة من جحودهم للنبوة وتكذيب لرسالات الله وصد عن سبيله وإيذاء للمسلمين وافتعال الأسباب التي تفتنهم عن دينهم ،ليس الله غافلا عن هؤلاء الخاسرين الظالمين ولكن الله لهم بالمرصاد .وهو معذبهم بما يشاء من العذاب في هذه الدنيا ،ويوم القيامة يصيرون إلى جهنم وبئس المصير .