{وَللَّهِ غَيْبُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ} بما يعلمه من شؤون خلقه وأعمال عباده ،وهو المسيطر على ذلك ،فلا مهرب لأحدٍ منه ،ولا ملجأ إلاّ عنده ،لأن إرادته هي التي تحيط بكل شيء ،وتصنع كل شيء ،وتتدخل في كل التفاصيل الصغيرة والكبيرة ،{وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الأمْرُ كُلُّهُ} وليس لأحد معه شيء ،فهو الواحد في ألوهيته ،وهو المستحق للعبادة ،{فَاعْبُدْهُ} ولا تعبد غيره ،{وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ} في كل أمورك ،فلا تخف من أشباح الغيب التي يمكن أن يواجهك بها المجهول ،الذي لا تملك أمره قدرة واختياراً ،وتقدّم إلى حياتك ورسالتك بقوّة وثبات ،فإن الله يكفي المتوكلين عليه من كل شر ،{وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} فلا تغفلوا عن مراقبته ،في كل عمل ،لتخلصوا له وتطيعوه ،فلا يصدنّكم الشيطان عن ذلك بوسوسته وتثبيطه ،وكيده وحبائله وغروره ،فيبعدكم عن الله ،ويصرفكم عن الحق من حيث لا تشعرون ،وتلك هي الرقابة الداخلية التي يريد القرآن إثارتها في وعي الإنسان ،فيشعر بالحضور الإلهيّ في كل أموره وأعماله ،فينضبط في موقع المسؤولية ،ويثبت في مواقف الاهتزاز ،لتحصل له العصمة من ربّه ،في ما يرحم به عباده ،وفي ما يفيضه عليهم من لطفه ورضوانه ،إنه أرحم الراحمين .