قوله تعالى:{ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أولئك يعرضون على ربهم ويقول الأشهاد هؤلاء الذين كذبوا على ربهم ألا لعنة الله على الظالمين 18 الذين يصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجا وهم بالآخرة هو الكافرون 19 أولئك لم يكونوا معجزين في الأرض وما كان لهم من دون الله من أولياء يضاعف لهم العذاب ما كانوا يستطيعون السمع وما كانوا يبصرون 20 أولئك الذين خسروا أنفسهم وضل عنهم ما كانوا يفترون 21 لا جرم أنهم في الآخرة هم الأخسرون} .
الاستفهام للإنكاري المفيد للنفي ؛أي ليس من أحد أشد ظلما لنفسه من الذي يفتري على الله الكذب ،بزعمه أن لله شريطا ،أو زعم أن الأصنام شفعاء له عند الله ،أو قال: الملائكة بنات الله ،أو كذب كلام الله وهو القرآن فأضافه إلى نفسه .
قوله:{أولئك يعرضون على ربهم} أي تعرض أعمالهم على ربهم فيسألهم عنها{ويقول الأشهاد هؤلاء الذين كذبوا على ربهم} الأشهاد يراد بهم الملائكة .وقيل: الأنبياء المرسلون .وقيل: الملائكة والمرسلون والعلماء .وقيل: جميع الخلائق أشهاد على الظالمين المفترين يوم القيامة ؛فهم يشهدون على افترائهم على بهم في الدنيا ويقولون:{هؤلاء الذين كذبوا على ربهم} أي كذبوا عليه بما نسبوه إليه افتراء عليه .
وهذا مشهد من أشد المشاهد التي يمر بها المجرمون الظالمون هولا وفظاعة يوم القيامة ،يوم تتفاقم فيه الأهوال والبلايا والفضائح ؛ليجد الظالمون الخاسرون أنفسهم في غاية الإياس وكمال الإحساس بالخزي على مرأى ومسمع من الخلائق كافة .فيا لها من ساععة قارعة رهيبة ،ويا له من مشهد رعيب مزلزل!
وفي هذا الصدد روي الإمام أحمد عن صفوان بن محرز قال: كنت آخذا بيد ابن عمر ؛إذ عرض عليه رجل قال: كيف سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في النجوى يوم القيامة ؟قال: سمعته يقول: ( إن الله عز وجل يدني المؤمن فيضع عليه كنفه{[2069]} ويستره من الناس ،ويقرره بذنوبه ويقول له: أتعرف ذنب كذا ؟أتعرف ذنب كذا ؟أتعرف ذنب كذا ؟حتى إذ قرره بذنوبه ورأى في نفسه أنه قد هلك .قال: فإني قد سترتها عليك في الدنيا ،وإني أغفرها لك اليوم .ثم يعطي كتاب حسناته .وأما الكفار والمنافقون فيقول:{ويقول الأشهاد هؤلاء الذين كذبوا على ربهم ألا لعنة الله على الظالمين} .