/م18
وبدأ بوصف الأول فقال:
{ ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا} أي لا أحد أظلم لنفسه ولغيره ممن افترى على الله كذبا في وحيه وأقواله ، أو أحكامه أو صفاته أو أفعاله ، وقد تقدم مثل هذه الجملة في الأنعام [ الآيات:21 و 144] والأعراف [ الآية:36] ويونس [ الآية:17] وسيأتي في الكهف والعنكبوت والصف ، ويفسر الافتراء في كل آية بما يدل عليه السياق ، وأظهره هنا اتخاذ الشركاء والأولياء والشفعاء له بدون إذنه ، وزعم من زعم أنه اتخذ له ولدا من الملائكة كالعرب الذين قالوا:الملائكة بنات الله ، والوثنيين الذين قالوا:إن كرشنا ابن الله ، والنصارى الذين قالوا:المسيح ابن الله ، وكذا من افترى عليه بتكذيب ما جاء به رسله من دينه ، لصدهم الناس عن سبيله .
{ أولئك يعرضون على ربهم} يوم القيامة لمحاسبتهم وتعرض عليه أعمالهم وأقوالهم{ ويقول الأشهاد} الذين يقومون بأمره للشهادة عليهم من الملائكة الكرام الكاتبين ، والأنبياء المرسلين ، وصالحي المؤمنين"الأشهاد جمع شاهد كأصحاب ، أو شهيد كأشراف "{ هؤلاء الذين كذبوا على ربهم ألا لعنة الله على الظالمين} أي يشيرون إليهم بأشخاصهم فيفضحونهم بهذه الشهادة المقرونة باللعنة ، الدالة على خروجهم في ذلك اليوم من محيط الرحمة ، وجملة اللعنة يجوز أن تكون من كلام الأشهاد ، وأن تكون مستأنفة من كلام الله تعالى وفي معنى هذا قوله تعالى:{ إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم ولهم اللعنة ولهم سوء الدار} [ غافر:51-52] .
وفي حديث ابن عمر في الصحيحين وغيرهما:سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:( إن الله يدني المؤمن حتى يضع كنفه عليه ويستره من النار ويقرره بذنوبه ويقول له:أتعرف ذنب كذا ؟ أتعرف ذنب كذا ؟ فيقول:رب أعرف ، حتى إذا قرره بذنوبه ورأى في نفسه أنه قد هلك قال:فإني سترتها عليك في الدنيا وأنا أغفرها لك اليوم ، ثم يعطى كتاب حسناته .وأما الكافر والمنافق فيقول الأشهاد{ هؤلاء الذين كذبوا على ربهم ألا لعنة الله على الظالمين}{[1754]} وقد بينا مسألة الشهادة والشهداء يوم القيامة في مواضعها من سورة البقرة والنساء والأنعام والأعراف مفصلة تفصيلا ، فراجع تفسيرها في مواضعها من أجزاء التفسير مستدلا عليها بألفاظها في فهارسها .