قوله تعالى:{أفمن كان على بينة من ربه ويتلوه شاهد منه ومن قبله كتاب موسى إماما ورحمة أولئك يؤمنون به ومن كفر به من الأحزاب فالنار موعده فلا تك في مرية منه إنه الحق من ربك ولكن أكثر الناس لا يؤمنون} الهمزة للاستفهام الأنكاري .وقوله:{أفمن كان على بينة} مبتدأن والخبر محذوف .والمراد بالبينة البراهان ،وتقديره الخبر: كمن كان يريد الحياة الدنيا وزينتها ؟والمعنى: أفمن كان على برهان ،من الله يدل على الحق والصواب كمن كان يريد الحياة الدنيا ؟وهذا الحكم عام فيشمل كل مؤمن مخلص .وقيل: المراد به الرسول صلى الله عليه وسلم ،والمراد بالبرهان دليل الفطرة والعقل .
قوله:{ويتلوه شاهد منه} يراد بالشاهد القرآن .والضمير في{منه} إلى الله ؛أي ويتبع ذلك البرهان شاهد من الله وهو القرآن ؛فإنه في بلاغته وروعة نظمه وعظيم معانيه يشهد للرسول صلى الله عليه وسلم بالنبوة والصدق فيما جاء به .ومن قبل القرآن كتاب موسى عليه السلام يتبع القرآن في تصديق الرسول الكريم والشهادة له بأنه جاء بالحق .
قوله:{إماما ورحمة} منصوبان على الحال .والإمام الذي يؤتم به في الدين ويقتدى .والرحمة ما حواه هذا الكتاب ( التوراة ) من نعمه الهداية وصدق العقيدة والتشريع .و{كتاب موسى} مرفوع ؛لأنه معطوف على قوله:{شاهد}{[2067]} .
قوله:{أولئك يؤمنون به} الإشارة إلى الذين وصفهم الله بأنهم على بينة من ربهم في صحة هذا الدين ؛فإنهم يؤمنون بالقرآن .
قوله{ومن كفر به من الأحزاب فالنار موعده} أي من يكفر بهذا القرآن فيجحد نزوله من عند الله ،من الأحزاب وهم المتحازبون على الكفر وتكذيب الإسلام من أهل الملل والأديان المختلفة ؛فإنهم لا جرم صائرون إلى النار بسبب كفرهم وتكذيبهم .وفي صحيح مسلم عن أبي موسى الأشعري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( والذي نفسي بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي أو نصراني ثم لا يؤمن بي إلا دخل النار ) .
قوله:{فلا تك في مرية منه} أي لا تك في شك من هذا القرآن .وقيل: لا تك في شك من أن موعده المكذبين بالقرآن النار{إنه الحق من ربك} أي أن القرآن أو الموعد بمصير المكذبين إلى النار هو الحق من الله فلا مدخل للشك في ذلك البتة{ولاكن أكثر الناس لا يؤمنون} أكثر الناس في مختلف القرون والأمم غافلون مفرطون ،سادرون في الضلالة لا يتبعون في حياتهم وعامة سلوكهم غير الهوى ؛فهم أكثرهم بذلك غير مؤمنين{[2068]} .