قوله:{مسومة عند ربك} أي معلمة ،من السيما وهي العلامة .وقد ذكر أن جبريل عليه السلام لما أصبح نشر جناحه فانتسف بها أرضيهم بما فيها من قصورها ودوابها وحجارتها وشجرها وجميع ما فيها ،فضما في جناحه فحواها وطواها في جناحه ،ثم صعد بها إلى السماء الدنيا حتى سمع سكان السماء أصوات الناس والكلاب .وكانوا أربعة آلاف ألف .ثم قلبها فأرسلها إلى الأرض منكوسة ،ودمدم بعضها على بعض فجعل عاليها سافلها ،ثم أتبعها حجارة من سجيل{[2154]} .
قوله:{وما هي من الظالمين ببعيد} يعني ما الحجارة والتدمير من الظالمين في هذه الأمة ببعيد .وذلك ترهيب للذين يقارفون هذه الفاحشة الكريهة .فما تنزلق نفوس الشذاذ من الفساق إلى هذا المستنقع من الرجس حتى يوشك أن يحيق بهم ما حاق بقوم لوط .وقيل: الضمير{هي} للقرى التي أتى عليها التدمير والقلب وهي المؤتفكات أو قرى قوم لوط .فلم تكن هذه القرى ببعيد من كفار مكة ؛إذ كانت في الشام وكان كفار مكة يمرون بها في أسفارهم .
وقد ذكر خبراء الآثار أن قرى وآثارا لسكان وأناسي غائرة في عمق البحر الميت ،وهي بحيرة لوط ،تسمية باسم القوم الذين انكفأت بهم الأرض ،فصار عاليهم سافلهم .وذلك ما تشهد به دراسة الآثار في بحيرة لوط عن هذه المسألة .
حد اللواط
يثبت حد اللواط بما ثبت به حد الزنا .وذلك بالإقرار أو البينة ؛وهي أن يشهد أربعة من العدول على حصول تمام الزنا .
على أن عقوبة اللواط موضع خلاف بين الفقهاء ؛فقد ذهب الإمام أبو حنيفة إلى أنه ليس من حد في اللواط بل فيه التعزير على كل من الفاعل والمفعول به .واستدل على ذلك بالمعقول والنظر ،وهو أن اللواط ليس زنا لاختلاف الصحابة في عقوبته ؛فقد روي عن أبي بكر الصديق أن عقوبته الإحراق بالنار .وهو قول علي .وقيل: عقوبته التنكيس من مكان مرتفع وإلحاقه بالحجارة زيادة في التنكيل .وقيل غير ذلك في عقوبته .
وقال أيضا إن اللواط ليس في معنى الزنا ؛لأنه ليس سببا لإضاعة الولد واشتباه النساب كالحال في الزنا .ومن جهة أخرى فإن حصول اللواط نادر ؛لأن النفوس تنفر منه وتشمئز .لكنه مع ذلك يجب فيه التعزير{[2155]} .
وذهب جمهور الشافعية والمالكية والحنبلية وصاحبا أبي حنيفة إلى وجوب الحد في اللواط إن تحقق فيه شرط من عقل وبلوغ .فإن كان أحدهما صغيرا أو مجنونا وجب الحد على العاقل أو البالغ منهما .وفي ذلك أخرج البيهقي بإسناده عن أبي موسى قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إذا أتى الرجل الرجل ،فهما زانيان ،وإذا أتت المرأة المرأة فهما زانيتان ،) وهذا يدل على أن اللواط ضرب من الزنا فيجب فيه من الحد ما يجب على الزنا .وهذا الصحيح الذي ينبغي اعتباره والأخذ به .وما ينبغي أن يعارض هذا باحتجاج أبي حنيفة المبني على النظر .
أما ماهية حد اللواط وكيفيته فثمة قولان في ذلك:
القول الأول: وهو أن حد اللواط كحد الزنا في المرأة من غير فرق ؛فيجب فيه الجلد على البكر ،والرجم على المحصن ،وهو قول الشافعية في المعتمد من مذهبهم ،وكذلك الحنبلية في إحدى الروايتين عنهم .وقال بذلك صاحبا أبي حنيفة .واستدلوا على ذلك بالخبر: ( إذا أتى الرجل الرجل فهما زانيان} .
القول الثاني: وهو وجوب قتل الفاعل والمفعول به سواء كانا بكرين أو ثيبين وهو قول المالكية والشافعية في قولهم الثاني .وهي الرواية الثانية للحنبلية وذلك لخبر: ( من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به ) أخرج أبو داود عن ابن عباس .وكذلك ما أخرجه البيهقي بإسناده عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( من وقع على الرجل فاقتلوه ) وسئل ابن عباس: ما حد اللواطي ؟قال: ( ينظر أعلى البناء في القرية فيرمى به منكسا ثم يتبع الحجارة ) .
وروي عن سعيد بن المسيب أنه قال: ( السنة أن يرجم اللواطي أحصن أو لم يحصن ) .
أما لو كان الملتبسان غير مكلفين ،كأن يكونا صغيرين ؛فإنه لا حد عليهما ،ولكنهما يؤدبان بمختلف وجوه التأديب ممل يكون لهما زاجرا ورادعا .ولو كان أحد مكلفا دون الأخر ،فإن كان المكلف هو الفاعل فقد وجب حده رجما أما لو كان المفعول به مكلفا دون الفاعل فلا رجم عليه ( المفعول به ) بل يؤدب الصغير غير المكلف ويعزز الكبير البالغ{[2156]} .