/م77
/م81
{ مسومة عند ربك} لها سومة ، أي علامة خاصة في علم ربك أيها الرسول ، أي أمطرناها خاصة بها لا تصيب غير أهلها ، أو هي من قولهم:سومت فلانا في مالي أو في الأمر إذا حكمته فيه ، وخليته وما يريد لا تثنى له يد في تصرفه ، وقد ظهر لي هذا المعنى الآن من مراجعة المجاز الأساس ، والمعنى أنه سخرها عليهم وحكمها في إهلاكهم لا يمنعها منه شيء ، كما قال في الملائكة التي أمد الله المؤمنين في غزوة بدر:[ مسومين] ، وزعم بعض المفسرين أن هذا التسويم كان حسيا بخطوط في ألوانها ، أو أمثال الخواتيم عليها أو بأسماء أهلها ، ولكن هذا من أمور الغيب لا يثبت إلا بنص عن المعصوم ولا نص ، وما قلناه مفهوم من اللفظ ، ومعقول في نفسه ليس فيه رجم بالغيب .
{ وما هي من الظالمين ببعيد} أي وما هذه العقوبة أو القرى أو الأرض التي حل بها العذاب المخزي بمكان بعيد المسافة من مشركي مكة الظالمين لأنفسهم بتكذيبك والتماري بنذرك أيها الرسول ، بل هي قريبة منهم واقعة على طريقهم في رحلة الصيف إلى الشام كما قال:{ فأخذتهم الصيحة مشرقين فجعلنا عاليها سافلها وأمطرنا عليهم حجارة من سجيل إن في ذلك لآيات للمتوسمين وإنها لبسبيل مقيم} [ الحجر:73 ، 76] أي في طريق ثابت معروف بين المدينة والشام ، وقال في سورة الصافات بعد ذكر هلاكهم:{ وإنكم لتمرون عليهم مصبحين وبالليل أفلا تعقلون} [ الصافات:137 ، 138] قال الجلال: "وإنكم لتمرون عليهم "على آثارهم ومنازلهم في أسفاركم .
[ مصبحين] أي وقت الصباح ، يعني بالنهار ،"وبالليل أفلا تعقلون "ما حل بهم فتعتبروا به اه .
والتعبير بصفة الظالمين وكون العقوبة آية مرادة لا مصادفة ، يجعل العبارة عبرة لكل الأقوام الظالمة في كل زمان ، وإن كان العذاب يختلف باختلاف الأحوال من أنواع الظلم وكثرته وعمومه وما دونهما ، وقيل:إن المعنى المتبادر أن هذه العاقبة ليست ببعيدة من الظالمين من قوم لوط بل نزلت بهم عن استحقاق ، أو من مشركي مكة ، وقدم هذا من قدمه من المفسرين وأخر ما قلناه لكنه هو الذي تؤيده شواهد القرآن .
وفي خرافات المفسرين المروية عن الإسرائيليات أن جبريل عليه السلام قلعها من تخوم الأرض بجناحه وصعد بها إلى عنان السماء حتى سمع أهل السماء أصوات الكلاب والدجاج فيها ثم قلبها قلبا مستويا فجعل عاليها سافلها ، وهذا تصور مبني على اعتقاد متصوره أن الأجرام السماوية المأهولة بالسكان مما يمكن أن يقرب منهم سكان الأرض وما فيها من الحيوان ويبقون أحياء .وقد ثبت بالمشاهدة والاختبار الفعلي في هذه الأيام التي نكتب هذا فيها أن الطيارات والمناطيد التي تحلق في الجو تصل إلى حيث يخف ضغط الهواء ويستحيل حياة الناس فيها ، وهم يصنعون أنواعا منها يضعون فيها من أكسجين الهواء ما يكفي استنشاقه وتنفسه للحياة في طبقات الجو العليا ويصعدون فيها ، وقد أشير في الكتاب العزيز إلى ما يكون للتصعيد في جو السماء من التأثير في ضيق الصدر من عسر التنفس بقوله تعالى:{ فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا كأنما يصعد في السماء} [ الأنعام:125] .
فإن قيل:إن هذا الفعل المروي عن جبريل عليه السلام من الممكنات العقلية وكان وقوعه من خوارق العادات ، فلا يصح أن يجعل تصديقه موقوفا على ما عرف من سنن الكائنات ، قلت:نعم ولكن الشرط الأول لقبول الرواية في أمر جاء على غير السنن والنواميس التي أقام الله بها نظام العالم من عمران وخراب أن تكون الرواية عن وحي إلهي نقل بالتواتر عن المعصوم أو بسند صحيح متصل الإسناد لا شذوذ فيه ولا علة على الأقل ، ولم يذكر في كتاب الله تعالى ولم يرد فيه حديث مرفوع إلى نبيه صلى الله عليه وسلم ، ولا تظهر حكمة الله فيه ، وإنما روي عن بعض التابعين دون الصحابة ، ولا شك أنه من الإسرائيليات ، ومما قالوه فيها أن عدد أهلها كان أربعة آلاف ألف ، وبلاد فلسطين كلها لا تسع هذا العدد ، فأين كان هؤلاء الملايين يسكنون من تلك القرى الأربع ؟
وهذه الإسرائيليات المشوهة لهذه القصة كغيرها من قصص الأنبياء مخالفة لما عند باثيها من زنادقة اليهود في توراتهم ، وملخص ما في الفصل التاسع من سفر التكوين الخاص بلوط عليه السلام وقومه أن الملكين اللذين أتياه بصورة رجلين ضربا بالعمى جميع قومه وقالا له"أصهارك وبنيك وبناتك وكل من لك في المدينة أخرج من هذا المكان* لأننا مهلكان أهل هذا المكان إذ قد عظم صراخهم أمام الرب فأرسلنا الرب لنهلكه* فخرج لوط وكلم أصهاره الآخذين بناته وقال:قوموا واخرجوا من هذا المكان لأن الرب مهلك المدينة فكان كمازح في أعين أصهاره * ولما طلع الفجر كان الملاكان يعجلون لوطا قائلين قم خذ امرأتك وابنتيك الموجودتين لئلك تهلك بإثم المدينة ، ثم أخرجاه ودفعاه إلى مدينة اسمها صوغر وعداه بعدم إهلاكها ومعه امرأته وبنتاه وأمراه بأن لا ينظر وراءه ثم قال:[ وإذ أشرقت الشمس على الأرض دخل لوط إلى صوغر فأمطر الرب على سدوم وعمورة كبريتا ونارا من عند الرب من السماء*وقلب تلك المدن وكل الدائرة وجميع سكان المد ونبات الأرض * ونظرت امرأته من ورائه فصارت عمود ملح* وبكر إبراهيم في الغد إلى المكان الذي وقف فيه أمام الرب * وتطلع نحو سدوم وعمورة ونحو كل أرض الدائرة ونظر وإذا دخان الأرض يصعد كدخان الأتون] .
ومقتضى هذه الرواية أنه لم ينج مع لوط إلا ابنتان له ، وقد ختم الفصل بما يتبرأ منه المسلمون كغيره مما يخالف القرآن ، وهو أن ابنتي لوط الناجيتين- وكانت إحداهما بكرا والأخرى ثيبا- وأنهما أسكرتا أباهما بالخمر مرة بعد أخرى ، وباتتا معه فحملتا منه وولدتا أولادا ، وبقي نسلهما منه متسلسلا - يقول الكاتب:[ إلى اليوم] - وهم الموابيون وبنو عمون ! ! فمن كتب هذا ؟ ومتى كتبه ؟ هذا ما لا يعلمه إلا الله تعالى ، وكل ما خالف القرآن فهو باطل ، وما فسرناه به هو الظاهر المتبادر .