قوله:{إنا أنزلناه قرآنا عربيا}{قرآنا} ،منصوب على أنه بدل من مضير{أنزلناه} أو منصوب على الحال .وقيل: مفعول به .وعربيا نعت للقرآن .وهو منسوب إلى العرب ،والعرب جمع عربي{[2194]} .والمعنى: أن الله جل وعلا كان من تقديره في الأزل أن ينزل القرآن على البشرية بلغة العرب ،هذا البيان الندي المحبب ،لبساطة تركيبه وجمال أسلوبه وسطوع كلماته ذات الإيقاع البليغ الشجي ،والإيقاع المستعذب الغامر الذي ينفذ إلى صميم الفطرة وعميق الوجدان .لا جرم أن العرب خير أجناس البيان ولا فخر .وذلك بعجيب سكبها ومتانة رصفها وبهاء نظمها المميز ؛النظم الذي يخاطب الكيان البشري كله فيهزه من الأعماق هزا .وذلك بما حواه هذا الكيان من جنان ووجدان وذهن وعاطفة وحس .كل أولئك لا جرم أن يستفيق وينتهض بالنظم القرآني النافذ الغلاب ؛فليس في سائر الكلام كله ما يخاطب في الإنسان إلا جزءا أو اثنين من تركيبه المتلاحم المعقد فما يكون تأثيره فيه محدودا يسيرا .لكن القرآن يقرع الجهاز النفسي والروحي والعقلي للإنسان مجتمعا ،وهذه ظاهرة جلية عجيبة تشهد على كون القرآن معجزا لا يعارضه في العالمين أحد ،وهو إنما يتجلى فيه هذه الحقيقة ؛لكونه من جنس هذه اللغة الكريمة المباركة ،اللغة البالغة في جمالها وحسنها ،وروعة جرسها وإيقاعها ،وحلاوة أنغامها الندية الشجية ،وذلك كله يقتضي أن يحض الرسول صلى الله عليه وسلم على حب العربية والعرب ؛فقد أخرج الطبراني والحاكم والبيهقي وآخرون عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( أحبوا العرب لثلاث: أني عربي ،والقرآن عربي ،وكلام أهل الجنة عربي ) .
قوله:{لعلكم تعقلون} لعل بمعنى التعليل ؛أي لكي تفهموا ما تضمنه هذا القرآن من المعاني والبلاغة والإعجاز ،ولكي تحيطوا بما حواه من علوم وحقائق وبدائع فتوقنوا بعد ذلك أن هذا الكلام ليس في مقدور احد بل هو مما لا يطيقه بشر{[2195]} .