{ إنا أنزلناه قرآنا عربيا} ، الضمير يعود على القرآن الذي تشير إليه هذه الحروف ، حتى قيل:إنها اسم للسور التي تصدرتها{ قرآنا عربيا} أي أنزلناه كتابا يقرأ عربيا ، وليس أعجميا ، فهو قرآن عربي ، وليس بأعجمي ، وهذا النص يدل على أمرين:
الأمر الأول:أنه نزل مقروءا متلوا ، علمنا الله تعالى قراءته وتلاوته ، ولم يتركنا نتصرف في قراءته ، كما نقرأ كلاما من كلام الناس ، بل علمنا قراءته وترتيله ، كما قال تعالى:{. . . .ورتلناه ترتيلا32} ( الفرقان ) . وكما قال تعالى في نزوله ، وجبريل يقرئه للنبي صلى الله عليه وسلم:{ لا تحرك به لسانك لتعجل به16 إن علينا جمعه وقرآنه17 فإذا قرأناه فاتبع قرآنه 18 ثم إن علينا بيانه19}( القيامة ) .
الأمر الثاني:إن القرآن المعجز هو العربي ، وليست ترجمته قرآنا ؛ لأنها من عبارات البشر ، ولأن الترجمة لا يمكن أن تكون محققة لمعاني القرآن ، إذ هو عميق يغوص فيه الغواصون على الحقائق ، وإنه محدد المعاني ، تزيد المعاني في نفس القارئ بمقدار ما يزداد إدراكه ، وهو واضح لكل إنسان بمقدار إدراكه ، فالأمي يدرك منه بمقدار ما تتسع له طاقته العلمية ، والعالم بالكون تتسع له المعاني بمقدار طاقته ، ولذا واصفه العربي البليغ بقوله:{ إن أعلاه لمثمر ، وإن أسفله لمغدق ، وإنه ليعلو ، ولا يعلى عليه .
ولا يصح أن يدعي لأحد أنه ترجم القرآن ، وأن ترجمته قرآن يتعبد بتلاوته ، ويسجد له سجدة تلاوة ولا يمسه إلا وهو طاهر ، وقد أجمع على ذلك العلماء ؛ السلف والخلف على سواء ، إلا من ران الله على قلبه وعقله ، وإذا كان قد روي عن أبي حنيفة أنه أجاز الفاتحة بالفارسية ، فإن الراجح أنه رجع عن ذلك ، عندما لانت ألسنة الأعاجم ، بقراءة القرآن{[1332]} ، وقانا الله تعالى شر البدعة والمبتدعين .
وقال تعالى:{ لعلكم تتقون} ، أي رجاء أن تعقلوا معانيه ، وما يدعو إليه وما يتضمنه من بلاغة معجزة وما فيه من بلاغ للناس ، والرجاء من الناس لا من الله ، أي لعلكم تكونون في وضع من يرجو الإدراك السليم ، والله عليم بما تخفي الصدور .
وقد مهد الله سبحانه وتعالى لقصة يوسف ، التي كان الخبر عن يوسف الصديق عليه السلام وهو قطبها الذي دارت عليه أخبارها ، عليه وعلى نبينا أفضل السلام وأتم التسليم ، فقال: