استئناف يفيد تعليل الإبانة من جهتي لفظه ومعناه ،فإنّ كونه قرآناً يدل على إبانة المعاني ،لأنّه ما جعل مقروءاً إلاّ لما في تراكيبه من المعاني المفيدة للقارىء .
وكونه عربياً يفيد إبانة ألفاظه المعانيَ المقصودة للّذين خوطبوا به ابتداء ،وهم العرب ،إذ لم يكونوا يتبيّنون شيئاً من الأمم التي حولهم لأنّ كتبهم كانت باللغات غير العربية .
والتّأكيد ب ( إنّ ) متوجّه إلى خبرها وهو فعل{ أنزلناه} ردّاً على الذين أنكروا أن يكون منزلاً من عند الله .
وضمير{ أنزلناه} عائد إلى{ الكتاب} في قوله:{ الكتاب المبين[ سورة يوسف: 1] .
وقرآناً} حال من الهاء في{ أنزلناه} ،أي كتاباً يقرأ ،أي منظماً على أسلوب معدّ لأنْ يقْرأ لا كأسلوب الرسائل والخطب أو الأشعار ،بل هو أسلوب كتاب نافع نفعاً مستمراً يقرأه الناس .
و{ عربيّاً} صفة ل{ قرآناً} .فهو كتاب بالعربيّة ليس كالكتب السّالفة فإنّه لم يسبقه كتاب بلغة العرب .
وقد أفصح عن التعليل المقصود جملة{ لعلّكم تعقلون} ،أي رجاء حصول العلم لكم من لفظه ومعناه ،لأنّكم عرب فنزوله بلغتكم مشتملاً على ما فيه نفعكم هو سبب لعقلكم ما يحتوي عليه ،وعُبّرَ عن العلم بالعقل للإشارة إلى أنّ دلالة القرآن على هذا العلم قد بلغت في الوضوح حدّ أن ينزّل من لم يَحصل له العلم منها منزلة من لا عقل له ،وأنّهم ما داموا معرضين عنه فهم في عداد غير العقلاء .
وحذف مفعول{ تعقلون} للإشارة إلى أنّ إنزاله كذلك هو سبب لحصول تعقل لأشياء كثيرة من العلوم من إعجاز وغيره .
وتقدّم وَجه وقوع ( لعلّ ) في كلام الله تعالى ،ومحمل الرجاء المفاد بها على ما يؤول إلى التعليل عند قوله تعالى:{ ثم عفونا عنكم من بعد ذلك لعلّكم تشكرون} في سورة البقرة ( 52 ) ،وفي آيات كثيرة بعدها بما لا التباس بعده .