قوله تعالى:{وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِن قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} الكاف في{وَكَذَلِكَ} في موضع نصب على الحال من ضمير المصدر المقدر ،أو على النعت لمصدر محذوف والتقدير: مثل ذلك الاجتباء العظيم يجتبيك .وقيل: في موضع الرفع على خبر مبتدأ مضمر أي الأمر كذلك{[2204]} و{يَجْتَبِيكَ} ،أي يصطفيك ويختارك من الاجتباء وهو الاختيار{[2205]} لرؤية الكواكب والشمس والقمر ساجدين لك ؛فإن الله يختارك للنبوة والملك .وقيل: للسجود لك تحية وإكراما .أو لأمور عظام تشمل ذلك وغيره من كبرايات الوجائب والأغراض التي تقتضيها النبوة .
قوله:{وَيُعَلِّمُكَ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ} وتأويل الأحاديث يعني التعبير عن الرؤيا أو غرائب الرؤيا .وقيل: عواقب الأمور .وقيل: عموم ذلك وغيره من المغيبات .وقال الزمخشري: الأحاديث بمعنى الرؤى .وتأويلها يعني تفسيرها أو عبارتها .فكان يوسف عليه السلام أعبر الناس للرؤيا وأصلحهم عبارة .وقيل: المراد بتأويل الأحاديث معناي كتب الله وسير الأنبياء وما غمض أو اشتبه على الناس من المقاصد ووجوه الحكمة .
قوله:{وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ} إتمامه النعمة عليك يعني بالإيحاء إليك وبعثك نبيا .وقيل: بإيجائك من كل مكروه .أو بإعلاء شأنك وتحقيق رؤياك .وآل يعقوب ،يعني أولاده وذريتهم .والمراد: أن الله قد أتم نعمته عليك بالنبوة والنجاة من الشدائد والمكاره كما أتم نعمته على آل يعقوب وهم نسله ،بالخلاص من المكروه .ولا يقتضي ذلك أن يكون الإنعام على يوسف وإخوته من نوع واحد ؛فقد أنعم الله على يوسف بنعمة النوبة وغيرها من النعم مما بيناه آنفا .وكذلك أنعم على أخوته بوجوه أخرى من النعم كالخلاص من المكاره وغيرها .
قوله:{كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِن قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَقَ} أتم الله نعمته على أبيه إبراهيم بالنبوة والخلة ؛إذ اتخذه خليلا ،ثم تنجيته من النار .وكذلك قد أتم نعمته على أبيه إسحق بالنبوة .
قوله:{إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ}{عليم} بمن يستحق الاجتباء والنعمة ،{حكيم} في تدبير خلقه وفي جعل الأشياء في مواضعها{[2206]} .