قوله تعالى:{وَكَذالِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِن تَأْوِيلِ الأٌحَادِيثِ} .
بين الله جل وعلا أنه علم نبيه يوسف من تأويل الأحاديث ،وصرح بذلك أيضاً في قوله:{وَكَذلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ في الأرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِن تَأْوِيلِ الأحَادِيثِ} [ يوسف:21] .
وقوله:{رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِن تَأْوِيلِ الأحَادِيثِ} [ يوسف:101] .
واختلف العلماء في المراد بتأويل الأحاديث .
فذهب جماعة من أهل العلم إلى أن المراد بذلك: تعبير الرؤيا ،فالأحاديث على هذا القول هي الرؤيا ،قالوا: لأنها إما حديث نفس أو ملك أو شيطان .
وكان يوسف أعبر الناس للرؤيا .ويدل لهذا الوجه الآيات الدالة على خبرته بتأويل الرؤيا ،كقوله:{يا صَاحِبَي السِّجْنِ أَمَّآ أَحَدُكُمَا فَيَسْقِى رَبَّهُ خَمْرًا وَأَمَّا الآخَرُ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِن رَّأْسِهِ قُضِىَ الأمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ} [ يوسف:41] وقوله:
{قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعُ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدتُّمْ فَذَرُوهُ في سُنبُلِهِ} [ يوسف: 47] إلى قوله:{يَعْصِرُونَ} [ يوسف: 49] .
وقال بعض العلماء: المراد بتأويل الأحاديث معرفة معاني كتب الله وسنن الأنبياء ،وما غمض وما اشتبه على الناس من أغراضها ومقاصدها ،يفسرها لهم ويشرحها ،ويدلهم على مودعات حكمها .
وسميت أحاديث ،لأنها يحدث بها عن الله ورسله ،فيقال: قال الله كذا ،وقال رسوله كذا ،ألا ترى إلى
قوله تعالى:{فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ} [ الأعراف: 185] .
وقوله:{اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ} [ الزمر: 23] الآية .
ويدل لهذا الوجه قوله تعالى:{وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا} [ يوسف:22] وقوله:{قَالَ لاَ يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلاَّ نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَن يَأْتِيَكُمَا ذالِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّى} [ يوسف: 37] الآية .
قال مقيده عفا الله عنه:
الظاهر أن الآيات المذكورة تشمل ذلك كله من تأويل الرؤيا ،وعلوم كتب الله وسنن الأنبياءوالعلم عند الله تعالى .