{يَجْتَبِيكَ}: الاجتباء: الاختيار .
يوسف وبداية المسيرة
وهكذا بدأت المسيرة التي أرادها الله ليوسف على طريق النموّ الفكريّ والروحيّ الذي يمهّد له السير في طريق الأنبياء الصالحين الذين يربّيهم الله على خطّ هداه ،من خلال المعاناة الجسديّة والروحية التي يواجهون فيها عملية تدريبٍ يوميّةٍ ،تقوّي إرادتهم ،وتوسّع آفاقهم ،وتفتح لهم نوافذ التفكير على أكثر من جانبٍ من جوانب الغيب والحياة .وقد كانت رؤيا يوسف بداية طيبةً له ،تفتح له باب التفكير في آفاق هذه الرؤية الواقعية ،وفي كيفية النفاذ إلى المواقع المميّزة في حياة الناس ،كما سنرى ،في ما يأتي من قصة يوسف ،وهذا ما أراد الله أن يوحي به إلى يوسف في بداية أمره ،في ما خاطبه به ،وفي تنمية إحساسه الداخلي في ما ألهمه الله منه ،أو في إخبار أبيه له ،أو في ما يقترب من ذلك .
{وَكَذلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ} فيمن يجتبيه من عباده ،ويصطفيه منهم ،{وَيُعَلِّمُكَ مِن تَأْوِيلِ الأحَادِيثِ} وتفسيرها في ما يستشرف به الناس أمور المستقبل من خلال أحلامهم ،{وَيُتمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ} بما يغمرهم به من لطفه ورحمته ،وبما يفتحه لهم من أبواب الخير ،أو ينزل عليهم من وحيه ورسالته ،أو يخرجهم منه من ضيق وعسر ،{كَمَآ أَتَمَّهَآ عَلَى أَبَوَيْكَ مِن قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ} اللذين خصهما الله بكرامة الرسالة والقرب إليه ،{إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} فهو الذي يعلم الغيب كله ،لأنه هو الذي خلق المستقبل كله ،وهو الذي يجري الأمور كلها ،على وفق حكمته في العطاء للعباد والمنع عنهم ،في المجالات المادية والمعنوية .