قوله تعالى:{اللّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُّسَمًّى يُدَبِّرُ الأَمْرَ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لَعَلَّكُم بِلِقَاء رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ} ذلك بيان من الله عن عظيم شأنه وقدرته ؛فقد خلق السموات العلى على غاية ما يكون عليه الاتساع والامتداد والضخامة ،وعلى أكمل ما يكون عليه الاتساق والتوازن والانتظام .خلائق كبيرة وكثيرة ،وأجرام هائلة ومبثوثة في أجواز الفضاء يضمها نظام دقيق ومنضبط لا يعرف الخلل أو العشوائية أو الفوضى .تلك عي السموات الشامخات الكبريات قد رفع الله بناءها ،وجعلها منسجمة رفيعة لا تستند إلى ما يمسكن من الأعماد المنظورة ،ولكن الله قدر لها من النظام الكوني الوثيق ما يكفل لها تمام الدوران والحركة والاستمرار والعلو إلى أن يقضي الله بالفناء والنهاية .
قوله:{ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ}{استوى} ،أي علا .ومن صفات الله استواؤه على العرش .والمعنى: أن الله استوى عليه بالاقتدار والتدبير وعظيم السلطان وبالغ الهيمنة .
قوله:{وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُّسَمًّى} الشمس والقمر آتيان من آيات الله جعلهما الله برهانا على بالغ قدرته وعظيم صنعه ،وذللهما لمنافع عباده ؛فبهما تعرف الحسابات والمواقيت ،وبهما تستنير الكائنات بالإشراق والضياء ،وبسببهما تزدهر الحياة والأحياء ؛فنعم الحركة والنشاط والعطاء في هذه الدنيا .وذلك كله{لأجل مسمى} وهو قيام الساعة .وحينئذ تكور الشمس ويذهب ليبهما وضوؤها ،ويخسف القمر ويمحي نوره الساطع ثم يصير الكون والعاملون إلى واقع آخر ،وخلق آخر .ذلك هو الفناء وقيام الساعة .
قوله:{يُدَبِّرُ الأَمْرَ}{الأمر} يعني ملكوت السموات والأرض ؛فإن الله وحده يصرف ذلك كله كيفما يشاء .
قوله:{يُفَصِّلُ الآيَاتِ} ،هي آيات الكتاب الحكيم ؛فإن الله بينها لعباده ؛ليقفوا على ما فيها من البينات والدلائل ،والحجج{لَعَلَّكُم بِلِقَاء رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ} أي لتهتدوا بما في آيات الله من البينات والدلائل ،فتوقنوا بيوم القيامة حيث المعاد والحساب ،ثم تزدجروا وتخشوا ربكم فتبادروا إلى التصديق والطاعة{[2309]} .