قوله تعالى:{اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} .ظاهر هذه الآية الكريمة قد يفهم منه أن السماء مرفوعة على عمد ،ولكننا لا نراها ،ونظير هذه الآية قوله أيضاً في أول سورة «لقمان »:{خَلَقَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا وَأَلْقَى في الأرْضِ رَوَاسي أَن تَمِيدَ بِكُمْ} [ لقمان: 10] .
واختلف العلماء في قوله:{تَرَوْنَهَا} على قولين: أحدهما أن لها عمداً ولكننا لا نراها ،كما يشير إليه ظاهر الآية ،وممن روى عنه هذا القول ابن عباس ،ومجاهد ،والحسن ،وقتادة ،وغير واحد ،كما قاله ابن كثير .
وروي عن قتادة أيضاًأن المعنى أنها مرفوعة بلا عمد أصلاً ،وهو قول إياس بن معاوية ،وهذا القول يدل عليه تصريحه تعالى في سورة «الحج » أنه هو الذي يمسكها أن تقع على الأرض في قوله:{وَيُمْسِكُ السَّمَآءَ أَن تَقَعَ عَلَى الأرْضِ إِلاَّ بِإِذْنِهِ} [ الحج: 65] .
قال ابن كثير: فعلى هذا يكون قوله:{تَرَوْنَهَا} تأكيداً لنفي ذلك ،أي هي مرفوعة بغير عمد كما ترونها كذلك ،وهذا هو الأكمل في القدرة اه .
قال مقيدهعفا الله عنه: الظاهر أن هذا القول من قبيل السالبة لا تقتضي وجود الموضوع ،والمراد أن المقصود نفى اتصاف المحكوم عليه بالمحكوم به ،وذلك صادق بصورتين:
الأولى: أن يكون المحكوم عليه موجوداً ،ولكن المحكوم به منتف عنه ،كقولك ليس الإنسان بحجر ،فالإنسان موجود والحجرية منتفية عنه .
الثانية: أن يكون المحكوم عليه غير موجود فيعلم منه انتفاء الحكم عليه بذلك الأمر الموجودي ،وهذا النوع من أساليب اللغة العربية ،كما أوضحناه في كتابنا ( دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب ) ،ومثاله في اللغة قول امرىء القيس:
على لا حب لا يهتدي بمناره*** إذا سافه العود النباطي جرجرا
أي لا منار له أصلاً حتى يهتدي به ؛وقوله:
لا تفزع الأرنب أهوالها*** ولا ترى الضب بها ينجحر
يعني لا أرانب فيها ولا ضباب .
وعلى هذا فقوله{بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا} أي لا عمد لها حتى تروها ،والعمد: جمع عمود على غير قياس ،ومنه قول نابغة ذبيان:
وخيس الجن إني قد أذنت لهم ***يبنون تدمر بالصفاح والعمد
والصفاحبالضم والتشديد: الحجر العريض .