قوله:{قال لم أكن لأسجد لبشر خلقته من صلصال من حمإ مسنون} اللام في ( لأسجد ) ،لتأكيد النفي ؛أي لا يستقيم مني ولا يليق بي أن أسجد لبشر مخلوق من طين أسود منتن .وإبليس اللعين يعني بذلك أن آدم ذو أصل خسيس وضيع وهو الصلصال ؛فكأنه يقول: كيف يسجد من هو في مثلي عظيم الأصل .والخلقة لمن أصله الطين المنتن المهين ؟
هكذا كان تصور إبليس للمسألة .وهو أن الخلائق إنما تقاس بأصولها وأحسابها ،أو تقاس بأشكالها وظواهرها المكشوفة .لا جرم أن نظرة كهذه للأمور والحياة جد خاطئة ؛بل إن المعيار الصحيح لقيم المخاليق ومقاديرها لهو جمال الفطرة الأصيلة وسلامة الطبع السوي ،وما يفضي إليه ذلك كله من مقتضيات ومآلات عظيمة ،غاية في الخير والبراءة والسمو والرحمة .فما يغني المخلوق هيئته وصورته أو حقيقة أصله مادام أثيم الفعل ،منكود الطبع ،قبيح الخصال .وإنما ينبغي التعويل كله على روعة الجوهر واستقامة السلوك وحسن الفعال{[2457]} .