قوله تعالى:{ولقد آتيناك سبعا من المثاني والقرآن العظيم ( 87 ) لا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم ولا تحزن عليهم واخفض جناحك للمؤمنين ( 88 )} .
جاء في سبب نزول هذه الآية أن سبع قوافل جاءت من بصرى وأذرعات إلى يهود قريظة والنضير في يوم واحد فيها أنواع من البز ( الثياب ) وأوعية الطيب والجواهر وأمتعة البحر .فقال المسلمون: لو كانت هذه الأموال لنا لتقوينا بها فأنفقناها في سبيل الله .فأنزل الله تعالى هذه الآية .وقال: لقد أعطيتكم سبع آيات خير لكم من هذه السبع القوافل{[2481]} .
والله سبحانه وتعالى يخاطب رسوله محمد ( ص ) فيمتن عليه وعلى المؤمنين أن آتاهم ( سبعا من المثاني والقرآن العظيم ) وليت شعري أي عطاء ومنة وفضل خير وأكبر مما أعطاه الله نبيه محمدا ( ص ) والمسلمين ؛فقد أعطاهم السبع المثاني وأعطاهم قرآنه الكريم .وأعظم به من عطاء هائل مبارك .لا جرم أن ذلك خير البركات التي تتنزل على الأرض .
والمثاني والقرآن العظيم بما فيهما من الخيرات والبركات والأحكام والدلالات والمواعظ والمشاهد والأخبار وغير ذلك من المعاني العظام خير ما تؤتاه أمة من ربها .
أما المثاني: فقد اختلف المفسرون في المراد بها .وثمة قولان في تأويل ذلك .
القول الأول: إن المراد بالسبع المثاني ،السور السبع الطوال ،وهي البقرة وآل عمران والنساء والمائدة والأنعام والأعراف ويونس ؛ففيهن الفرائض والحدود والقصاص والأحكام والأمثال والأخبار والعبر .وهو قول ابن مسعود وابن عباس وسعيد بن جبير ومجاهد والضحاك وآخرين .
القول الثاني: إنها الفاتحة .وهي سبع آيات ،والبسملة الآية السابعة ،وقد روي ذلك عن علي وعمر وابن مسعود وابن عباس وآخرين .وقد سميت بالمثاني ؛لأنها تثنى في كل صلاة أي تقرآ في كل ركعة .فهي من التثنية ومعناها التكرير ؛لأن الفاتحة مما يتكرر في كل صلاة سواء منها الفريضة أو التطوع .وقيل: من الثناء ؛لأنها تشتمل على الثناء على الله .وقيل: سميت بالمثاني ؛لأنها نزلت مرتين مرة بمكة في أوائل ما نزل من القرآن ومرة بالمدينة .وقيل غير ذلك .وواحدة المثاني ،مثناة ،أو مثنية صفة للآية .
والصواب من هذه الأقوال الثاني وهو المراد بالسبع المثاني سورة الفتاحة وهي أم الكتاب لما يعزز ذلك من أخبار .منها ما أخرجه البخاري بسنده عن أبي سعيد بن المعلى قال: مر بي النبي ( ص ) وأنا أصلي فدعاني فلم آته حتى صليت فأتيته فقال:"ما منعك أن تأتيني ؟"فقلت: كنت أصلي .فقال:"ألم يقل الله ( يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم ) ؟ألا أعلمك أعظم سورة في القرآن قبل أن أخرج من المسجد "فذهب النبي ( ص ) ليخرج فذكرت فقال: ( الحمد لله رب العالمين ) هي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته ".
وكذلك أخرج البخاري بسنده عن أبي هريرة ( رضي الله عنه ) قال: قال رسول الله ( ص ):"أم القرآن هي السبع المثاني والقرآن العظيم ".
على أن ذلك لا ينافي وصف غير الفاتحة من السور الطوال بالمثاني كما لا ينافي وصف القرآن كله بهذا الوصف ؛فقد قال جل وعلا: ( الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها مثاني ) وسيأتي تأويل هذه الآية في موضعها من هذا التفسير إن شاء الله .