وقد بين الله تعالى تأييده لنبيه بالحجة القاطعة ، والأدلة الساطعة ، فقال:{ ولقد آتيناك سبعا من المثاني والقرآن العظيم ( 87 )} .
الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم ، وقد طالبه رب البرية بأن يصفح ويعرض عن إيذاء المشركين بأن يصفح الصفح الجميل الذي يكون بإقبال نفس ، وبشاشة وجه ، وأنه معه الدليل القاطع ، والبرهان الساطع ، وهو القرآن الكريم ، ولذا قال:{ ولقد آتيناك سبعا من المثاني} أكد الله أن معه الحجة ، باللام وقد ، والسبع المثاني ما هي ؟ قال ابن عباس:هي القرآن كله ، والسبع لا تذكر لذات العدد بسبع ، بل تذكر للكثرة ، والقرآن كله وصف بالمثاني ، قال تعالى:{ الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها مثاني تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله . . .( 23 )} [ الزمر] .
و{ المثاني} جمع مثنى أي مكرر لاثنين ، كقوله تعالى:{. .مثنى وثلاث ورباع يزيد في الخلق ما يشاء . . . ( 1 )} [ فاطر] ، ومعنى مثاني أن فيه من كل معنى اثنين متقابلين ، ففيه الإنذار والتبشير ، وكرر ذلك ، وفيه الأمر والنهي ويتكرر ذلك ، وفيه بيان الحلال والحرام ، ويتكرر ذكر ذلك ، وفيه الخبر والإنشاء ، وفيه القصص الكريم مثنى مثنى وهكذا .
هذا تفسير السبع على أنها القرآن الكريم ، ويكون عطف القرآن عليها في قوله تعالى:{ والقرآن العظيم} من قبيل عطف الصفة على الصفة ، ويكون معنى القرآن القروء المتلو الذي يتعبد بتلاوته ، فيكون معنى السبع المثاني وصف معانيه ، وما اشتمل من أحكام وقصص وزواجر ونواه ، وأوامر وتوجيه ، ويكون القرآن العظيم المقروء المعجز بألفاظه والعظيم في إعجازه وبتلاوته ، وعطف الوصف على الوصف جائز في العربية كما قال الشاعر:
إلى الملك القرم وابن الهمام وليث الكتيبة في المزدحم
وإن معنى العطف يشير إلى أنهما حقيقتان ثابتتان في القرآن ، الأولى وهي أنه كتاب التكليف ، وسجل الرسالة الإلهية ، والثانية أنه حجة بألفاظه وأساليبه ، وطرق البيان فيه ، إذ فيه التصريف المعجز ، كما قال تعالى:{ قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم أو من تحت أرجلكم أو يلبسكم شيعا ويذيق بعضكم بأس بعض انظر كيف نصرف الآيات لعلهم يفقهون ( 65 )} [ الأنعام] .
هذا ما اخترنا في معنى السبع المثاني ، ولقد روى أحاديث صحاح أن السبع المثاني سورة الفاتحة ، وعطف عليها بعد ذلك قوله تعالى:{ والقرآن العظيم} .
وروى عن ابن مسعود وغيره من كبار الصحابة أن السبع المثاني هي طوال السور ، وهي سبع ، البقرة ، آل عمران ، والنساء ، والمائدة ، والأنعام ، والأعراف ، والأنفال ، بأن تشمل براءة على أنهما سورة واحدة .
وفي الحق إن ست من السبع الطوال مدني ، والسورة التي نتكلم في معانيها مكية ، فكيف تكلم عن هذه السبع ، وست منها لم تنزل بعد وقد رد هذا بأنها كانت نزلت في اللوح المحفوظ .
والذي نراه الحق هو أن السبع المثاني القرآن كله ، وتخصيص الفاتحة بالذكر معناه أنها من السبع المثاني التي هي القرآن وكل جزء منه يكون السبع المثاني ، إذ كل جزء منه متكامل في ذاته ، وهو العليم القدير .