قوله تعالى:{ثم إن ربك للذين هاجروا من بعد ما فتنوا ثم جاهدوا وصبروا إن ربك من بعدها لغفور رحيم ( 110 ) يوم تأتي كل نفس تجادل عن نفسها وتوفى كل نفس ما عملت وهم لا يظلمون ( 111 )} خبر ( إن ) قوله: ( لغفور رحيم ) ،وقيل: الخبر هو نفس الجار والمجرور بعدها .كما تقول: إن زيدا لك ؛أي: هو لك لا عليك ،بمعنى هو ناصرهم لا خاذلهم{[2621]} .
ومعنى الآية: إن ربك يا محمد للذين تركوا ديارهم ومساكنهم وعشيرتهم ورحلوا عن كل ذلك إلى ديار الإسلام وولاية المسلمين في المدينة من بعد ما فتنهم المشركون في مكة قبل هجرتهم ؛إذ عذبوهم وآذوهم وفتنوهم عن دينهم بقول اللسان لا بالقلب ،ثم جاهدوا المشركين بعد ذلك وصبروا على جهادهم ،وتبرأوا من مقالتهم ؛إذ نطقوا كلمة الكفر مكرهين ،( إن ربك من بعدها لغفور رحيم ) ،لقد غفر الله لهم ما كان منهم من نطق للكفر باللسان دون القلب مكرهين وهم يضمرون في أعماقهم الإيمان ،والله سبحانه رحيم بهم أيضا ؛إذ لا يعاقبهم على ذلك ولا يؤاخذهم به .
وقيل: نزلت الآية في قوم من أصحاب رسول الله ( ص ) كانوا قد تخلفوا بمكة بعد هجرة النبي ( ص ،) فاشتد المشركون عليهم حتى فتنوهم عن دينهم فأيسوا من التوبة ؛فأنزل الله فيهم هذه الآية ،فهاجروا ولحقوا برسول الله ( ص ) .
وقيل: ناس من أهل مكة آمنوا فكتب إليهم بعض أصحاب رسول الله ( ص ) بالمدينة أن هاجروا فإنا لا نراكم منا حتى تهاجروا إلينا ،فخرجوا يريدون المدينة فأدركتهم قريش بالطريق ،ففتنوهم وكفروا مكرهين ؛ففيهم نزلت هذه الآية .