قوله تعالى:{ينزل الملائكة بالروح من أمره على من يشاء من عباده أن أنذروا أنه لا إله إلا أنا فاتقون} ( الملائكة ) ،منصوب ،على أنه مفعول للفعل ( ينزّّل ) أي ينزل الله الملائكة بالروح ؛فالله هو المنزل ملائكته بوحيه إلى رسله ،وبذلك فإن المراد بالروح الوحي وهو جبريل عليه السلام .والباء في قوله: ( بالروح ) بمعنى مع فيكون المعنى: ينزل الملائكة مع الروح جبريل .وقيل الروح بمعنى القرآن .ونظير ذلك قوله تعالى: ( وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ) أي القرآن .وهو كلام الله النوراني ،فإن فيه حياة للبشر بما ينشر فيهم من العلم والوضاءة والبهجة والرحمة .لا جرم أن القرآن حياة للقلوب يستحيي فيها الوازع الرهيف والرحمة الفياضة .وهو كذلك حياة للأذهان ينشر فيها الاستقامة والاعتدال ،وسلامة التصور من الشطط ،وبراءة العقول من مثالب الزلل والخطل والاعوجاج .
قوله: ( من أمره ) أي هذا التنزيل لا يكون إلا بأمر الله .
قوله: ( على من يشاء من عباده ) أي على النبيين الذين اصطفاهم الله لرسالته وتبليغ دينه للناس .
قوله: ( أن أنذروا انه لا إله إلا أنا فاتقون ) ( أن أنذروا ) ،فيه وجهان:
أحدهما: البدل على قوله: ( بالروح ) والمعنى: ينزل الملائكة بأنهم أنذروا أي أعلموا الناس أو بلغوهم أنه لا إله إلا أنا .والإنذار معناه الإعلام مع التخويف .
ثانيهما: أن تكون ( أن ) مفسرة ؛لأن تنزيل الملائكة بالوحي فيه معنى القول{[2491]} .
والمعنى: أن الله ينزل الملائكة بالروح بأمره على الذين يختارهم ليكونوا أنبياء من بين عباده بأن أنذروا الناس وحذروهم عقابي وانتقامي بسبب كفرهم وعصيانهم ؛فإنه ليس من إله خالق ما تنبغي لغيره الألوهية سواي ( فاتقون ) أي خافوني بإفرادي بالعبادة وإخلاص الربوبية لي دون أحد من خلقي{[2492]} .