وقد بين الله سبحانه وتعالى بعد ذلك أنه أرسل الرسل بهذه الحقيقة لينذر المشركين بإرسالهم ، فقال تعالى:{ ينزل الملائكة بالروح من أمره على من يشاء من عباده أن أنذروا أنه لا إله إلا أنا فاتقون ( 2 )} .
( الروح ) فسره ابن كثير بأنه الوحي ، كما قال تعالى:{ وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم ( 52 )} [ الشورى] .
وتسمية الوحي روحا ؛ لأنه يجئ بما فيه حياة الناس ، فهو كالحياة لهم ، أو لهم مقام الروح في الأجساد . وقوله تعالى:{ على من يشاء من عباده} ، أي من اختارهم لرسالته ويصطفيهم ، الله يختبر من يشاء من عباده وهو أعلم حيث يجعل رسالته .
وقوله تعالى:{ من أمره} ، أي أنها مقبلة بأمره سبحانه ، أو من أجل أمره ، وتنفيذ ما قدر ونقرر ، وأمره بينه سبحانه بقوله تعالى:{ أنه لا إله إلا أنا فاتقون} .
فهو تقرير للوحدانية جاء على لسان الحق جل جلاله{ أنه لا إله إلا أنا} داخل عليها حرف جر ، وهو الباء و ( أن ) هي المخففة من الثقيلة ، واسمها ضمير الشأن ، أي أنه الحال والشأن{ لا إله إلا أنا} وقد ذكر ضمير المتكلم لتربية المهابة ، ولفيض جلاله سبحانه وتعالى ، والجملة دالة على القصر ، فالألوهية مقصورة على الذات العلية ، وما ينحلونها بالألوهية من أوثان باطل في أصله ، وإنما هي أوهامهم التي أعطتها صبغة الألوهية ، وإذا كان الله تعالى جل جلاله هو وحده الإله فإن الوقاية من عذابه ، وخوف عقابه أمران لازمان ؛ ولذا رتب سبحانه على وصفه وحده بالألوهية قوله:{ فاتقون} فالفاء فلترتيب ما بعدها على ما قبلها ، فإنه إذا كان هو الإله لا شريك له ، فلا يتقى غيره ، وجاء على لسان الأمر ، لكي يجتنبوا ما يعرضهم للعذاب ، ومعنى ( اتقوا ) اجعلوا بينكم وبين غضبه وقاية ، واملأوا قلوبكم بتقواه ، كما قال تعالى:{. . .اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون ( 102 )} [ آل عمران] .