وإن أسباب انحصار الألوهية في ذاته العلية هو أنه وحده خالق السموات والأرض ومانح النعم ؛ ولذا قال تعالى:{ خلق السموات والأرض بالحق تعالى عما يشركون ( 3 )} .
أنشأ الله السموات والأرض بالحق أي بالأمر الثابت ، والنظام المحكم ، ربط بين أجزاء السماء بسر الوجود فكل نجم في مداره ، وبروجها ثابتة لا تتغير وتسير إلى مستقرها وتتحرك في مدارها وكل شيء يجري بحسبان في السماء والأرض بطبقاتها ، وما أودع باطنها من فلزات وأحجار ، وعروق المعادن ، والجبال الراسيات ، والبحار التي تجري الفلك فيها ماخرات عبابها ، والأنهار والأمطار تنبت الزرع ، وتأتي بالثمار ، هذا ما يشير إليه ؛ لذا كان سبحانه وتعالى قد خلقها بذلك الإحكام وبذلك النظام الثابت الذي لا يتخلف ، وأنه سبحانه وتعالى هو الذي يمسك السموات والأرض ، فهو سبحانه وتعالى المتعالي عن الشركاء ؛ ولذلك قال الله تعالى:{ عما يشركون} تسامى في ذاته عن أن يكون له شريك ؛ لأنه ليس كمثله شيء قط ، فهو المنفرد بالخلق والتكوين والإنشاء .
وقوله سبحانه:{ تعالى عما يشركون} كانت هذه الجملة مفصولة عما قبلها ، لتمام الاتصال فإن تمام الاتصال يوجب فصل الجملتين ، كما يوجبه كمال الانفصال ، إذ الجملة الأولى سببا للثانية ، فإن الخلق للسموات والأرض سبب لكمال العلو عن المثل والشريك .