وبعد أن بين- سبحانه- أنه منزه عن أن يكون له شريك، وأنه قد أنزل الملائكة بوحيه على من يشاء من عباده، وأنه لا إله يستحق العبادة سواه.
بعد كل ذلك، بين الأدلة الدالة على قدرته ووحدانيته، بأسلوب بديع، جمع فيه بين دلالة المخلوق على الخالق، ودلالة النعمة على منعمها، ووبخ المشركين على شركهم، تارة عن طريق خلقه وحده- سبحانه- للسموات والأرض، وتارة عن طريق خلقه للإنسان، وتارة عن طريق خلقه للحيوان وللنبات، ولغير ذلك من المخلوقات التي لا تحصى.
قال- تعالى-:خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ، تَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ.
والباء في قوله «بالحق» للملابسة. والحق:ضد الباطل، وهو هنا بمعنى الحكمة والجد الذي لا هزل فيه ولا عبث معه، كما قال- تعالى-:وَما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما لاعِبِينَ. ما خَلَقْناهُما إِلَّا بِالْحَقِّ ... .
أى:خلق- سبحانه- بقدرته النافذة السموات وما أظلت، والأرض وما أقلت، خلقا ملتبسا بالحكمة الحكيمة، وبالجدية التي لا يحوم حولها لهو أو عبث.
وقوله:«تعالى عما يشركون» تنزيه وتقدير لذاته وصفاته، عما قاله المشركون في شأنه- عز وجل- من أن له ولدا أو شريكا.
قال- تعالى-:مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ، وَما كانَ مَعَهُ مِنْ إِلهٍ، إِذاً لَذَهَبَ كُلُّ إِلهٍ بِما خَلَقَ، وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ، سُبْحانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ.
وقد صدر- سبحانه- هذه الأدلة الدالة على وحدانيته وقدرته، بخلق السموات والأرض، لأن خلقهما أعظم من خلق غيرهما، ولأنهما حاويتان لما لا يحصى من مخلوقاته- سبحانه-.
قال- تعالى-:لَخَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ، وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ .