قوله تعالى:{خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ بِالْحَقِّ تَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} .
بين جل وعلا في هذه الآية الكريمة أنه هو خالق السموات والأرض ،وأن من يخلق هذه المخلوقات العظيمة يتنزه ويتعاظم أن يعبد معه ما لا يخلق شيئاً ،ولا يملك لنفسه شيئاً .
فالآية تدل على أن من يبرز الخلائق من العدم إلى الوجود ،لا يصح أن يعبد من لا يقدر على شيء ؛ولهذا أتبع قوله:{خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ بِالْحَقِّ} بقوله:{تَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} .
وأوضح هذا المعنى في آيات كثيرة .كقوله:{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ} [ البقرة:21] الآية .فدل على أن المعبود هو الخالق دون غيره ،وقوله:{أَفَمَن يَخْلُقُ كَمَن لاَّ يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ} [ الأنعام:17] وقوله:{أَمْ جَعَلُواْ للَّهِ شُرَكَآءَ خَلَقُواْ كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ} [ الرعد:16] ،وقوله:{تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ في المُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شيءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً وَاتَّخَذُواْ مِن دُونِهِ ءْالِهَةً لاَّ يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلاَ يَمْلِكُونَ لأنفُسِهِمْ ضَرّاً وَلاَ نَفْعاً وَلاَ يَمْلِكُونَ مَوْتاً وَلاَ حَيَواةً وَلاَ نُشُوراً} [ الفرقان:1-3] ،وقوله جل وعلا:{هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ في ضَلَالٍ مُّبِينٍ} [ لقمان:11] ،وقوله:{قُلْ أَرَءَيْتُمْ شُرَكَآءَكُمُ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُواْ مِنَ الأرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ في السَّمَاوَاتِ} [ فاطر:40] الآية ،وقوله:{قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُواْ مِنَ الأرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ في السَّمَاوَاتِ ائْتُونِي بِكِتَابٍ مِّن قَبْلِ هَذَآ أَوْ أَثَارَةٍ مِّنْ عِلْمٍ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ}[ الأحقاف:4] ،وقوله جل وعلا:{أَيُشْرِكُونَ مَا لاَ يَخْلُقُ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ} [ الأعراف: 191] ،وقوله تعالى:{يا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَن يَخْلُقُواْ ذُبَاباً وَلَوِ اجْتَمَعُواْ لَهُ} [ الحج:73] ،وقوله:{أَمْ خُلِقُواْ مِنْ غَيْرِ شَيءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ أَمْ خَلَقُواْ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ} [ الطور:35-36] الآية ،وقوله:{وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لاَ يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ أَمْواتٌ غَيْرُ أَحْيَآءٍ} [ النحل:20-21] الآية ،إلى غير ذلك من الآيات .
فهذه الآيات تبين أن الذي يستحق أن يعبد هو من يخلق الخلق ،ويبرزهم من العدم إلى الوجود .أما غيره فهو مخلوق مربوب ،محتاج إلى من يخلقه ،ويدبر شؤونه .