قوله: ( وما أنزلنا عليك الكتاب إلا لتبين لهم الذي اختلفوا فيه ) المراد بالكتاب القرآن .واللام في ( لتبين ) للتعليل ؛أي: إنما أنزلنا إليك هذا القرآن لتفصل به بين الناس في كل ما يتنازعون فيه ويختلفون ،من الشرك والتوحيد وإثبات البعث والنشور ونفيهما ،والجبر ،وهو كون الإنسان مجبرا أو مكرها على صنع أفعاله .أو القدر ،بسكون الدال ،وهو خلاف الجبر .ومقتضاه أن الإنسان قادر على صنع أفعاله حرا ومختارا .وغير ذلك من الأحكام التي ابتدعوها ،كتحريم البحائر والسوائب ،وتحليل أكل الميتة والدم ولحم الخنزير ،وما أهل به لغير الله ،وغير ذلك من الأحكام .والقرآن في ذلك كله يقول الحق ويهدي إلى سواء السبيل .السبيل الواضح المستقيم الذي لا عوج فيه ولا خلل ،ولا غلو ولا تفريط .
قوله: ( وهدى ورحمة لقوم يؤمنون ) ( هدى ورحمة ) ،منصوبان على أن كل واحد منهما مفعول لأجله .والناصب قوله: ( أنزلنا ){[2555]} .والمعنى: أن القرآن أنزل هداية للناس ،وإخراجا لهم من ظلمات الباطل والضلال والجور ،إلى نور الحق واليقين والعدل والسداد .وهو كذلك رحمة للناس بكل ما يحتمله لفظ الرحمة من معاني فضلى في الخير والبر والمودة والإيثار ،وغير ذلك من معان يرسخها الإسلام في واقع المسلمين .وخص المؤمنين بالهدى والرحمة ؛لأنهم بتصديقهم ويقينهم والتزامهم منهج الإسلام يكونون هم المنتفعين بمزايا الهدى والرحمة ومقتضياتهما أكثر من غيرهما .