وقد بين سبحانه وتعالى:أنه أنزل الكتاب على محمد صلى الله عليه وسلم ليكون جامعا لما سبقه مبينا الحق فيه فقال:
{ وما أنزلنا عليك الكتاب إلا لتبين لهم الذي اختلفوا فيه وهدى ورحمة لقوم يؤمنون ( 64 )} .
ولقد بين سبحانه وتعالى أن الكتاب مهين على الكتب قبله ، وحاكم على الناس فيما اختلفوا فيه ، وما يختلفون إلى يوم القيامة ، فإن رجعوا إليه اهدوا إلى الحق ، وإلا فهم في ضلال بعيد .
قال سبحانه:{ وما أنزلنا عليك الكتاب إلا لتبين لهم الذي اختلفوا فيه} فقد اختلفوا في البعث ، وقالوا:عيسى ابن الله ، وقالوا:عزير ابن الله ، وحرفوا في الرسالات ، وبدلوا وغيروا ، وأحل اليهود الربا ، وقد حرم عليهم وأكلوا السحت والرشا ، فكان لابد من مرجع يرجع إليه في معرفة الحق فيما اختلفوا فيه ، فكان محمد الذي نزل القرآن عليه هو المبين ، وأسند النبي صلى الله عليه وسلم مع أن المبين هو القرآن وذلك لسببين:
السبب الأول:بيان أن النبي صلى الله عليه وسلم هو من القرآن ، وإن القرآن نزل من عند الله تعالى عليه .
والسبب الثاني:أن القرآن يحتاج إلى مبلغ يبلغه حقائقه ، ويعلم الناس به ، يبين مجمله ، ويخص عمومه ، ذلك المبلغ هو النبي صلى الله عليه وسلم ولذا أضيف التبين إليه صلى الله عليه وسلم ، وهو تكليف كلفه .
وقوله تعالى:{ وهدى ورحمة لقوم يؤمنون} هنا أمران في القرن غير الأمر الأول ، وهو أن فيه بيانا للشرائع السائغة ، وما اختلفوا فيه حولها ، فهو شاهد على الكتب السابقة ، ومبين الحقائق في الرسالات الإلهية ، وحكم عليها ، لأنه آخر لبنة في صرح النبوة ، وهو كمال الرسالات كلها .
وهو أيضا هدى ورحمة – ففيه الهداية من الضلال في متاهات الأوهام ، فيه التوحيد ، وقد زينت الأوهام الشرك ، وفيه تحريم ما لم يجله الله ، وإحلال الحلال وتبين الحرام ، فهو الهادي المرشد ، كما قال الحق:{. . .إنا سمعنا قرآنا عجبا ( 1 ) يهدي إلى الرشد فآمنا به ولن نشرك بربنا أحدا ( 2 )} [ الجن] .
وفيه الرحمة ، وهي شريعته المحكمة ، فهي رحمة للناس ، وهي الشفاء لأدوائهم والرحمة بالمهديين منهم ؛ ولذا قال تعالى:{ وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين ( 107 )} [ الأنبياء] ففيها الرحمة بالمجتمع ، وفي عقوباتها الزاجرة رحمة بالكافة ووصف سبحانه بأنه هدى كأنه ذاته هداية ورحمة لفرط ما فيه من هداية ورحمة .
وهنا أمران بيانيان يشير إليهما سبحانه:
الأمر الأول – أن قوله تعالى:{ وما أنزلنا عليك الكتاب . . .} فيه نفى وإثبات ، وهو يفيد الحصر ، أي ما أنزلنا عليك الكتاب إلا لبيان ما جاء به من رسالات للأمم ، ولما فيه من هدى ورحمة ، وشريعة محكمة صالحة ، وفيه إشارة إلى أن هذا الكتاب خاتم الرسالات .
الأمر الثاني – أنه سبحانه وتعالى ذكر الكتاب معرفا بأل الدالة على كماله ، وإنه الكتاب الجدير بأن يسمى كتابا وحده ، وقد بين سبحانه أن هدايته ورحمته لمن يؤمن به ويذل ويذعن لحقائقه ، وينفذ أحكامه بحذافيرها لا يغادر منها صغير ولا كبير إلا نفذها لأنه خير كله ، والله أعلم .