رسالات الله والعظة في خلقه
الكلام مفصول عما قبله باللفظ ، وإن كان المقام بيان أحوال الشرك ، وكيف يزين للمشركين سوء عملهم ، فيرونه حسنا ، وهو السوء فقال تعالى:
{ تالله لقد أرسلنا إلى أمم من قبلك فزين لهم الشيطان أعمالهم فهو وليهم اليوم ولهم عذاب أليم ( 63 )} أكد سبحانه وتعالى بالقسم ، وباللام وبقد ، وكان القسم بالباء ، لا بالباء ولمعنى الشدة في مخرجها ، كان في القسم بهذه الصيغة تشديدا ، و{ أرسلنا} أضاف الإرسال إليه سبحانه وتعالى وليعلم أن الرسالة من الله سبحانه وتعالى عن طريقهم ، وأنهم رجال يأكلون ويشربون ويمشون في الأسواق ، ويموتون ، كما قال الله تعالى:{ وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد أفإن مت فهم الخالدون ( 34 )} [ الأنبياء] .
وقوله تعالى:{ إلى أمم من قبلك فزين لهم الشيطان أعمالهم} إلى أمم مختلفة أزمانهم متباينة مشاربهم وأجناسهم ، ولكنهم التقوا على أمر جامع بينهم ، وهو الشيطان يزين لهم أعمالهم الفاسدة المفرقة لجمعهم ؛ ولذا قال سبحانه:{ فزين لهم الشيطان أعمالهم} و( الفاء ) للترتيب والتعقيب ، أي أن الله تعالى أرسل إليهم الرسل بالهداية ، فكان وراء الرسول الهادي تزيين الشيطان يهدم ما يدعو إليه الرسول يزين في قلوبهم الخبيث فيجعله حسنا في زعمهم ، والله تعالى يقرر على لسان رسوله أنه باطل ما يعصونه .
وتزيين الشيطان لهم ، أنه يأتيهم من قبل أهوائهم وشهواتهم فيزين لهم الشر فيما نهى الله عنه ، كما قال جد الأبالسة لأبي الخليفة آدم{. . .ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين ( 20 )} [ الأعراف] .
{ فهو وليهم اليوم} الفاء لترتيب ولايته لهم ، أي الولاء والمحبة على التزيين ، أي أنه إذ زين لهم الشهوات فحسبوها المصلحة والحقيقة الحنة العقبى صار صاحب الولاية ، والولاء والمحبة منهم يسيرهم كما يشاء .
والضمير في{ وليهم} يصح أن يعود إلى الأمم ، أي أن الشيطان بعد هذا التزيين صار صاحب الولاية عليهم ، يصرفهم اليوم ، كما يشاء فأسلموا زمامهم له ، وفي ذلك سلوى للنبي صلى الله عليه وسلم ، فلا تذهب نفسك عليهم حسرات ، ويصح أن يكون الضمير يعود على قريش بقياسهم على من سبقوهم ، وتقرير أنهم أولياء الشيطان بهذا التزيين المستمر ، ثم ذكر العاقبة ، فقال عز من قائل:{ ولهم عذاب أليم} ، أي مؤلم إيلاما لا نعرف له في الدنيا حدودا ، ولايتهم على أي حال في الدنيا ، وأما في الآخرة فيتبرأ منهم .