وبعد ذلك أشار سبحانه إلى ظلمهم في النساء ، وهو ظلم مستمكن في نفوسهم .
{ ويجعلون لله ما يكرهون وتصف ألسنتهم الكذب أن لهم الحسنى لا جرم أن لهم النار وأنهم مفرطون ( 62 )} .
ويجعلون ما يكرهونه ، أي ما كان غير مرغوب فيه منهم يجعلونه لله ، فيجعلونه لله البنات ، لأنهن مكروهات عندهم ، ويجعلون مما ذر من الأنعام والحرث ما يكرهون ، ويجعلون لآلهتهم ما يحبون ، ويستخفون برسله لأنهم يكرهونهم وفي الجملة كل شيء لا يهوونه يجعلونه لله تعالى .
{ وتصف ألسنتهم الكذب} ، أي تقول ألسنتهم الكذب ، وعبر عن القول بالوصف لأنهم يصفون الباطل ، بأنه حق ، فهو قول يتضمن وصفا باطلا ، يصفون{ أن لهم الحسنى} ، الحال الحسنى التي لا يعلو عليهم في الحسن شيء في الدنيا والآخرة ، أما في الدنيا فإنهم قد زين لهم سوء عملهم فرأوه حسنا ، وما هو بالحسن ، وغرهم الغرور فاستطابوا ما هم عليه من الفساد ، وحسبوا أنهم بظلمهم الأعلون ، وغرهم بالله الغرور ، وأما في الآخرة فقد قاسوا حالهم في الدنيا على حال في الآخرة ، كما قال الله تعالى عن أحدهم:{. . .ولئن رجعت إلى ربي إن لي عنده للحسنى . . . .( 50 )} [ فصلت] .
وقد رد الله تعالى قولهم بقوله سبحانه:{ لا جرم أن لهم النار وأنهم مفرطون} ، أي حقا لا كسب لهم من خير أو حسن{ أن لهم النار} يدخلونها ، وليس لهم الحسنى ينالون خيراتهم ، وأكد سبحانه ذلك فقال:{ وأنهم مفرطون} ، أي مقدمون في النار ، كالمفرط إلى الماء مع أي المقدم ، وهذا على قراءة فتح الراء مع تخفيفها ، وقرئ بكسر الراء مع التخفيف ، ويكون المعنى مفرطين في الظلم والمعاصي ، وبذلك استحقوا النيران ، وقرئ بكسر الراء مع التشديد ويكون المعنى أنهم مفرطون في طاعة الله تعالى أهملوها ، وتركوها فتركهم الله تعالى وصاروا نسيا منسيا .
والقراءات الثلاث متواترة ، فيصح أن تراد كلها ، فهم في مقدمة أهل النار فيردونها كما يرد القوم إلى الماء ، وهم مفرطون في المعاصي ، ومفرطون في الطاعات ، والله من ورائهم محيط .