وإن الله تعالى يعلم ظلم الناس وظلمهم للنساء ؛ ولذا قال تعالت كلماته:
{ ولو يؤاخذ الله الناس بظلمهم ما ترك عليها من دابة ولكن يؤخرهم إلى أجل مسمى فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون ( 61 )} .
إن الله تعالى هو الرزاق ذو القوة المتين ، وهو القادر على كل شيء وهو العليم بما يفعله الناس ، ولكنه لا يؤاخذ الناس على ظلمهم ، وقت نزول الظلم ، بل يؤخرهم ، ولذا قال تعالى:
{ ولو يؤاخذ الله الناس بظلمهم ما ترك عليها من دابة} .
( لو ) حرف امتناع لامتناع ، أي امتنع عذاب الله تعالى لأنه سبحانه لا يؤاخذ الناس بظلمهم ، وإن الناس منهم من يشركون بالله ، وإن الشرك لظلم عظيم ومنهم من يقترن الآثام المخزية المفسدة للجماعات ، ومنه من يتعدى ، ولا يعد القوى قويا إلا إذا اعتدى كما قال الشاعر الجاهلي زهير بن أبي سلمى .
والظلم من شيم النفوس فإن تجد ذا عفة فلعله لا يظلم
والظلم ما حق للخير ، وإن الله إذا آخذ الناس بظلمهم المستمر المتوالي لعمهم بعذاب من عنده ، بريح صرصر عاتية ، أو يخسف بهم الأرض ، أو يجعل عاليها سافلها ، أو بأن تجف السماء فلا تمطر ، فيكون الجدب ثم الموت ، وبذلك يهلك الناس والدواب ، ولم يبق على ظهرها غاثية أو راغية ، وبذلك يموت الجميع ولا تبقى دابة ، وخلاصة المعنى أن الله تعالى لو آخذ الناس لعمهم بعذاب ولا يترك منها دابة تدب على وجه الأرض ، فنقمة الظالم تعم ولا تخصه ، كما قال تعالى:{ واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة . . .( 25 )} [ الأنفال] ، والتعبير بالمضارع في قوله تعالى:{ ولو يؤاخذ الله . . .} فيه نفى للمؤاخذة في المستقبل ، كما لم يؤاخذ في الماضي ، لأن الله عدل لا يأخذ المطيع بجريمة العاصي ، ولا يأخذ العجماء بجريمة الإنسان .
{ ولكن يؤخرهم إلى أجل مسمى} ، حيث يمكن تمييز الظالم من العادل ، والمسئ من المطيع ، والمسئول من غير المسئول ، فإذا جاء أجلهم الموقوت لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون ، والسين والتاء للطلب ، والمعنى ليس لهم أن يطلبوا التأخير والتقديم ، بل هو لاحق بهم ما يستقبلهم والله أعلم .