وإن سبب ذلك الانحدار في التفكير بالنسبة للأنثى هو الكفر باليوم الآخر ، ولذا قال تعالى:
{ للذين لا يؤمنون بالآخرة مثل السوء ولله المثل الأعلى وهو العزيز الحكيم ( 60 )} .
عن الإيمان بالآخرة إيمانا صادقا مذعنا يلقى في النفس الاطمئنان على المستقبل ، فلا يكون في لهج وهلع من الناحية المالية ؛ لأنه يعرف أن هناك يوما آخر ، يعطى فيه من حرم من ملاذ الدنيا وشهواتها ، ولا يكون حريصا شحيحا ، ولا يكون خائفا من فقير ينزل له ما دام عاملا ، وإن أصابه فقر فإلى ميسرة ، وأما من لا يؤمن بالآخرة فإنه في فزع ، وخوف وتقتير ، ويظن الظنون في قابله غير معتمد على الله تعالى ، فهو في الولد ، يخشى الفقر فيئذ البنت ويفرح بالولد ؛ لأنه يكفيه عيشه ، والبنت يخشى عليها القهر والذل ، وفوات الكفء وغير ذلك .
ولذا قال تعالى في حال البشرى بالبنت ، وخشية الفقر والعار والقهر لها مشيرا إلى أن سبب ذلك هو عدم الإيمان بالآخرة ، فقال تعالى:{ للذين لا يؤمنون بالآخرة مثل السوء} ، أي حال السوء دائما يخشون الفقر والقهر والجوع كمثل الذين يحددون نسلهم خشية الجوع ، والله تعالى يقول:{ ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق نحن نرزقهم وإياكم . . .( 31 )} [ الإسراء] ، فمن لا يؤمن بالآخرة تكون حاله حال سوء وخوف ، وهم دائم ، وفي مقابل ذلك من يؤمن بالآخرة ، فإنه مطمئن إلى ربه ، طالبا رضاءه يفوض أموره لله ، وهو العزيز الحكيم ؛ ولذا قال تعالى:{ ولله المثل الأعلى وهو العزيز الحكيم} ، ولله الحال العليا التي لا سوء فيها ، ولا خوف من الفقر ، والمقابلة بين الذين لا يؤمنون بالآخرة ، وبين الله وهي مقابلة بين كان منهم من الإنسانية في المنزلة الدنيا ، والله العلي القدير العزيز الحكيم ، وأنى يكون ذلك ؟ والجواب عن ذلك:إن المقابلة بين من هم في أدنى الإنسانية ، ومن هم في أرقاها من بني الإنسان أيضا ؛ لأن الله تعالى يدعوهم إلى أن يكونوا مع الله تعالى . ليؤمنوا بعظمته ، ويتوكلوا عليه ، فيكونوا في أحسن حال ، وأعلى مثل وصورة ، لأنهم يكونون مع الله ، متوكلون عليه ومتبعون لأوامره ، ومجتنبون لنواهيه .
وختم سبحانه الآية بقوله تعالى:{ وهو العزيز الحكيم} ، أي وهو الغالب الحكيم الذي قدر كل شيء تقديرا{ وما من دابة في الأرض إلى على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها . . . ( 6 )} [ هود] .