وهذا خبر من الله جلّ ثناؤه أن قولهوَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ، والآية التي بعدها مثل ضربه الله لهؤلاء المشركين الذين جعلوا لله البنات، فبين بقوله ( لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ ) أنه مثل، وعنى بقوله جلّ ثناؤه ( لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ ) للذين لا يصدّقون بالمعاد والثواب والعقاب من المشركين ( مَثَلُ السَّوْءِ) وهو القبيح من المثل، وما يسوء من ضرب له ذلك المثل ( وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الأعْلَى ) يقول:ولله المثل الأعلى، وهو الأفضل والأطيب، والأحسن، والأجمل، وذلك التوحيد والإذعان له بأنه لا إله غيره.
وبنحو الذي قلنا في ذلك ، قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال:ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة ( وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الأعْلَى ) قال:شهادة أن لا إله إلا الله.
حدثنا بشر، قال:ثنا يزيد، قال:ثنا سعيد، عن قتادة، قوله ( لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الأعْلَى ) الإخلاص والتوحيد.
وقوله ( وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ) يقول تعالى ذكره:والله ذو العزّة التي لا يمتنع عليه معها عقوبة هؤلاء المشركين الذين وصف صفتهم في هذه الآيات، ولا عقوبة من أراد عقوبته على معصيته إياه، ولا يتعذّر عليه شيء أراده وشاءه ، لأن الخلق خلقه ، والأمر أمره، الحكيم في تدبيره، فلا يدخل تدبيره خَلَل ، ولا خطأ.
------------------------
الهوامش:
(1) البيت في ديوان الحطيئة طبع التقدم بالقاهرة ص 10 قال شارحه:يقول:ما دام الحمار مقيدا فهو ذليل، معترف بالهوان. وهذا مقلوب، أراد:ما أثبت الحبل حافره (الحبل فاعل أثبت، والحافر مفعول له) فقلب، فجعل الفاعل مفعولا، والمفعول فاعلا، ومثله:
أســلموها فــي دمشــق كمــا
أســــلمت وحشـــية وهقـــا
أراد:كما أسلم وحشية وهق (والوهق:الحبل الغار فيه أنشوطة، فتؤخذ فيه الدابة والإنسان، جمعه أوهاق ..) وقال عروة ابن الورد:
فلــو أنــي شــهدت أبـا سـعاد
غــداة غــدا بمهجتــه يفــوق
فــديت بنفســه نفســي ومـالي
ومـــا آلــوه إلا مــا أطيــق
أي لا أترك جهدا، أراد:فديت نفسه بنفسي، فقلب.