وإنه يكون على هذا الغم محسا بعار ، لخشيته على عرضها ، ولخشيته من قهرها وذلها ، وهي مهما تكن بضعة منه ، ولذا قال تعالى:{ يتوارى من القوم من سوء ما بشر به} لا يلقاهم خزيا وعارا من سوء ما بشر به ، وهنا جمع سبحانه بين السوء والبشرى ، فسماه سوءا بالنسبة له ولقومه ، وسميت بشرى بشر بها في حقيقتها ، لأنها نعمة ، والإخبار بالنعمة بشرى .
وتحدثه نفسه في هذه النكبة في زعمه الفاسد ، وإدراكه الباطل{ أيمسكه على هون} ، والضمير في{ أيمسكه} يعود على لفظ{ ما بشر به} ، فهو يعود على ( ما ) ، ولذا ذكر الضمير ، وإن كان موضوع ( ما ) هو الأنثى ،{ على هون} ، أي على ذل وهوان كهذا المبشر به ، والهوان في لغة قريش ، وعذاب الهون هو عذاب الهوان والذل ،{ أم يدسه في التراب} ، أي يدفنه فيه ، وعبر سبحانه ب{ يدسه} ، بدل يدفن ، لأن الدفن يكون للميت ، وهذه على قيد الحياة وهي الموءودة ، وكان يفعل ذلك قبائل من مضر ومن كندة وخزاعة وهي غلظة في الأكباد ، وحمق في العقول وضلال في الكفر ، وكان بجوار هؤلاء الحمقى القساة ، فضلاء عقلاء رفقاء ، فكانوا إذا علموا برجل يريد أن يوئد ابنته فدوها بالإبل ، وقد قالوا:إن صعصعة بن ناجية هم الفرزدق إذا أحس من ذلك وجه إلى والد البنت إبلا يستحييها ، وقد قال الفرزدق مفتخرا بعمه هذا .
وعمى الذي منع الوائدات وأحيا الوئيد فلم يوده
وإن امتهان المرأة ذلك الامتهان لم يكن عند العرب وحدهم ، بل كان عند الفرس ، وكان عند الرومان ، ولم يكن في القانون الروماني أي حماية للمرأة ، بل كانت تعد المرأة أمة في بيت أبيها ، لو قتلها لا يسأل لم قتلها ، وإذا انتقلت إلى بيت زوجها كانت أمة أيضا ، ولو قتلها لا دية لها ، ولا ملام ، وقال تعالى:{ ألا ساء ما يحكمون} ألا للتنبيه وساء في فعل التعجب فالمعنى ما أسوأ ما يحكمون لأنه سخط وظلم وفساد في التفكير .
ولما جاء القرآن كرمها وجعل لهن من الحقوق مثل الذي عليهن من الواجبات ، وواجب تأديبها وتعليمها ، فقال صلى الله عليه وسلم:"من كانت عنده بنت فأدبها فأحسن تأديبها وعلمها فأحسن تعليمها ، وأسبغ عليه من نعم الله التي أسبغ عليه كانت له سترا أو حجابا من النار".