{تَاللَّهِ لَقَدْ أَرْسَلْنَآ إِلَى أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ} ،الرسالات التي تنظم حياتهم في جانب العقيدة والعمل ،على النهج الذي يضمن لهم سعادة في الدنيا والآخرة ،ولكنهم لم يأخذوا بالجانب الخيّر من هذه الرسالات ،بل أخذوا بالجانب المضاد لها ،وعملوا في اتجاه الشرّ .{فَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَاِّنُ أَعْمَالَهُمْ} وصور لهم الباطل حقاً ،وألبس الحق ثوب الباطل ،وأخذ من الحق شيئاً ،ومن الباطل أشياء ،وجمعها في خليط هجين ،صنع منه خطاً للعقيدة أو للسياسة أو للاجتماع ،وقاد الإنسان إلى السير عليه ،على أساس أنه خط الحق المستقيم ..وبذلك استطاع أن يجتذب مشاعرهم ويحتوي أفكارهم ،وحوّلهم إلى جماعةٍ شيطانية ،تتأثر بأساليبه ،وتسكن إلى أفكاره .{فَهُوَ وَلِيُّهُمُ الْيَوْمَ} ،في ما تمثله الولاية من النصرة والالتزام والاتباع ،وبذلك ابتعدوا عن مواقع رحمة الله ،وخرجوا عن ولايته إلى ولاية الشيطان ،وابتعدوا بذلك عن مواقع رحمة الله .{وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} ،جزاءً على انحرافهم عن الخط المستقيم .
ولكن الله لا يترك عباده للشيطان ،بل يتابع عملية إرسال الرسل إليهم ،من أجل فرصةٍ جديدةٍ للهداية وللتوعية وللالتزام ،وذلك ،على أساس الثقة بالإنسان الذي قد تبعده بعض الظروف أو الأوضاع أو النوازع ،بما تثيره فيه من شبهات وشكوك ومشاكل ،عن رؤية الحق كما هو ،وتقوده بالتالي إلى الضلال .ولكنه يمكن أن يتوقف في بعض الأحيان ليطرح علامات الاستفهام حول المؤثرات الذاتية أو الموضوعية التي ساهمت في تكوين قناعاته أمام الفكر الجديد الذي يدعوه إلى التفكير وإعادة النظر في ما اتخذه من قرارات ،ويصل بالتالي إلى تغيير الاتجاه الذي انحرف معه .ولهذا كان تتابع الرسالات يمثل استمرارية العمل على الوصول بالإنسان إلى الحق الذي لا ريب فيه ،من خلال الوحي وما يتضمنه من فكرٍ وشريعة ومنهج واضح ،ومن خلال الرسول وما يمثله من خلقٍ عظيم ،وروح منفتحة ،وأسلوبٍ حكيم .