قوله تعالى:{وإن لكم في الأنعام لعبرة نسقيكم مما في بطونه من بين فرث ودم لبنا خالصا سائغا للشاربين ( 66 ) ومن ثمرات النخيل والأعناب تتخذون منه سكرا ورزقا حسنا إن في ذلك لآية لقوم يعقلون ( 67 )} .العبرة بكسر العين ،تعني في اللغة: العجب .اعتبر منه ،أي: تعجب{[2557]} .ويراد بها ههنا الآية والدلالة على جلال الخالق في عظيم قدرته وبالغ حكمته ؛إذ خلق الأنعام حيث النسل والدر .هذا الغذاء السائغ النافع المصفى الذي يتخلق في أحشاء الأنعام من أبقارها ونوقها وشائها ،وذلك هو قوله في كلماته القليلة الجزلة المصطفاة: ( نسقيكم مما في بطونه من بين فرث ودم لبنا ) ،الضمير في ( بطونه ) يعود إلى الأنعام .وهذا اللفظ ذكره سيبويه في الأسماء المفردة ،على لغة بعض العرب ،والفرث معناه: السرجين في الكرش .والسرجين أو السرقين بكسر السين المشددة معناه: الزبل معربا{[2558]} ،وهذا برهان ظاهر باهر بأمر على عظيم قدرة الله ،وآية ساطعة جليلة تثير العجب والاعتبار لمن يعتبر .وذلك أن الله يخلق اللبن وسيطا بين الفرث والدم ،وبينه وبينهما برزخ لا يبغي أحدهما عليه بلون ولا طعم ولا رائحة ؛بل هو خالص من ذلك كله .فإذا أكلت البهيمة العلف فاستقر في كرشها طبخته فكان أسفله فرثا ،وأوسطه لبنا ،وأعلاه دما .والكبد مسلطة على هذه الأصناف الثلاثة تقسمها ؛فتجري الدم في العروق ،واللبن في الضروع ،ويبقى الفرث في الكرش ثم ينحدر{[2559]} .
قوله: ( خالصا سائغا للشاربين ) ( خالصا ) ،أي: مصفى عما يشوبه من لون دم أو رائحة فرث أو غير ذلك من الأوشاب .والسائغ ،سهل المرور في الحلق .ساغ الشراب سوغا ،أي: سهل مدخله{[2560]} .وجاء في الخبر:"ما شرب أحد لبنا فشرق ،إن الله تعالى يقول: ( لبنا خالصا سائغا للشاربين ) وهذه آية عظيمة من آيات الله الكثيرة الدالة على أنه سبحانه حق ،وأنه موجد كل شيء .إن هذه العملية العجيبة في تخليق اللبن وتحصيله من وسط الأحشاء ،حيث الدم والروث والبول والدهن والأوشاب ،ليجيء غذاء سهلا طيبا مستلذا ،تستنفر الحس والذهن ،وتقطع في يقين جازم على عظمة الخالق الصانع .