قوله: ( ومن ثمرات النخيل والأعناب تتخذون منه سكرا ورزق حسنا ) ،جاء في قوله: ( ومن ثمرات النخيل ) عدة أوجه ،أظهرها: أنه متعلق بمحذوف ،وتقديره:"ونسقيكم من ثمرات النخيل والأعناب "،أي: نسقيكم من عصيرها .و ( تتخذون ) ،بيان وكشف عن كيفية الإسقاء .وقيل: خبر لمبتدأ محذوف ،والتقدير: ومن ثمرات النخيل ما تتخذون{[2561]} .والسكر ،بفتحتين ،وفي معناه أقوال ،منها:"أنه اسم للخل ،وهو قول ابن عباس .ومنها: أنه اسم للعصير مادام حلوا ؛فكأنه سمي بذلك لما يؤول إليه لو ترك .ومنها: أنه اسم للطعم .ومنها: أنه من أسماء الخمر .وهو قول الجمهور من أهل العلم .وقال به ابن مسعود وابن عمر وابن جبير وأبو ثور والحسن وابن أبي ليلى وآخرون .وهذه الآية مكية ،وقد نزلت قبل تحريم الخمر ،ثم حرمت بالمدينة ؛فهي بذلك منسوخة ؛أي أن الخمر كانت لدى نزول هذه الآية بمكة حلالا يشربها كل الناس .وإنما كان تحريمها في المدينة بغير خلاف .وقد حرمها قوله: ( يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه ) ،فالآية الأولى منسوخة بهذه .
وإلى عدم النسخ ذهب الإمام أبو حنيفة وأصحابه .ووجه قولهم: أن المراد بالسكر ما لا يسكر من الأنبذة .واستدلوا على ذلك بأن الله قد امتنّ على عباده بما خلق لهم من ذلك .ولا يقع الامتنان إلا بالحلال ،وذلك يدل على جواز شرب ما دون السكر من النبيذ .فإذا انتهى إلى السكر صار حراما .وعضدوا هذا القول من السنة بما رواه الدارقطني عن النبي ( ص ) أنه قال:"حرم الله تعالى الخمر بعينها ؛القليل منها والكثير ،والسكر من كل شراب "ويستفاد من ذلك: أنه يحل شرب النبيذ ما لم يصل إلى الإسكار .وذهب إلى ذلك أيضا إبراهيم النخعي والطحاوي وسفيان الثوري .
والصواب أن هذه الآية إن كانت سابقة على تحريم الخمر ؛فهي دالة على كراهيتها وليس إباحتها ،ووجه الدلالة على الكراهية بأن الخمر في هذه الآية وقع ذكرها في مقابلة الحسن ،وهذا يقتضي قبحها .والقبيح لا يخلو عن الكراهة وإن خلا عن الحرمة .قال صاحب الكشاف بعد أن فسر السكر بما ذكره: وفيه وجهان: أحدهما: أن تكون منسوخة .والثاني: أن يجمع بين العتاب والمنة .وقال: إن القول بكونها منسوخة أولى الأقاويل .ثم قال: وفي الآية دليل على قبح تناولها تعريضا من تقييد المقابل بالحسن .وهذا وجه من ذهب إلى أنه جمع بين العتاب والمنة .وعلى الأول ( العتاب ) يكون إشارة إلى السكر وإن كان مباحا ؛فهو مما يحسن اجتنابه{[2562]} .
قوله: ( إن في ذلك لآية لقوم يعقلون ) ،أي: فيما تبين من حقائق لهو دلائل ظاهرة يتدبرها أولو الأبصار والاعتبار .