وقد ذكر سبحانه نعمة أخرى للماء ينزل على الأرض فقال:
{ ومن ثمرات النخيل والأعناب تتخذون منه سكرا ورزقا حسنا إن في ذلك لآية لقوم يعقلون ( 67 )} .
فذكر سبحانه وتعالى أن المطر ينزل فيكون الزرع ويكون العشب الكثير ومن هذا العشب يأكل الغنم ، وفيها أن الله تعالى يسقينا من بين فرث ودم لبنا خالصا سائغا للشاربين .
وقد بين بعد ذلك الثمرات التي تؤخذ من الأشجار فقال عز من قائل:{ ومن ثمرات النخيل والأعناب} هنا كلام محذوف تقديره يتخذون ما تتخذون مما يسخر لكم منها فتأخذون ثمرات طيبات وأكلها حلو دائم ، وأنكم{ تتخذون منه سكرا} ، أي شيئا مسكرا ، والمسكر مبغض إلى أهل الإيمان ، وهي تدل على أن الخمر مشروب غير مباح ، وإذا كان قد ترك زمانا فهو في هذه الأزمان كان محل عفو ، حتى جاء التحريم القاطع الذي لا ريب فيه في آية سورة المائدة ، كما بينا ذلك في موضعه .
وإن السكر مقابل بالرزق الحسن فيكون السكر رزقا غير حسن ، وإذا كانت هذه السورة مكية فإن معنى مجئ هذا الكلام في سورة مكية يدل على أن القرآن الكريم ومحمد صلى الله عليه وسلم لم ينظر إلى الخمر نظرة رضا ، أو نظرة غير كارهة بل نظرته لها نظرة كارهة من أول مجئ الإسلام إلى أن بين الله فيها بيانا شافيا بالتحريم القاطع .
ويلاحظ أن الله تعالى ذكر النخيل والأعناب في هذه الآية ولم يذكر غيرهما لأنهما كانا الكثير عند العرب ، وهناك نعم أخرى كثيرة في أغراس كثيرة ، كالرمان والتفاح ، وغيرهما من الأغراس التي يتخذ منها سكرا ورزقا حسنا . وقد قال تعالى:{ إن في ذلك لآية} ، أي في هذا الذي ذكره الله تعالى لآية دالة على قدرة الخالق{ لقوم يعقلون} ، أي يعملون عقولهم ، وذكر الفعل في نهاية الآية التي جاء فيها السكر ، إيماء إلى ما يفعله السكر في العقول .