قوله: ( والله جعل لكم مما خلق ظلالا ) ،الظلال ،جمع ظل: وهو كل ما يستظل به من شجرة ونحوها .وقد يستظل كذلك بالغمام أو السحاب{[2581]} .
والظل الرخي الرطيب بفيئة الوارف المرغوب يحتاجه المسافرون والراحلون من مكان إلى آخر في ساعات الهجير حيث استعار الشمس والحرور ،فيدركون عندئذ أن الظل نعمة أيما نعمة .على أن خلْق الظل في ذاته لا جرم دليل على قدرة الصانع ،الذي أوجد في مركبات الطبيعة خواصها ،فجعل فيها الحرارة والبرودة والظل الظليل .
قوله: ( وجعل لكم من الجبال أكنانا ) ،الأكنان ،والأكنة ،جمع ومفرده كنان بالكسر .وهو وقاء كل شيء وستره .واستكن ،استتر .كن الشيء ،أي: ستره وصانه من الشمس .وأكنه في نفسه ؛أي: أسرّه .والكن بالضم ،بمعنى: الستر .والأكنة: الأغطية{[2582]} .والله يمن على عباده أن جعل لهم من الجبال أماكن يسكنون بها ويستترون ،وذلك كالغيران والكهوف والبيوت المنحوثة .جعلها الله عدة للناس عند الحاجة ،فيأوون إليها ويتحصنون بها من الرياح والمطر والحر ،ويعتزلون بداخلها عن الناس .وها هو رسول رب العالمين ،سيد الأولين والآخرين عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم قد أوى إلى كهف في حراء للتحنث{[2583]} ،ثم من بعده في ثور في طريقه مهاجرا إلى مكة .
قوله: ( وجعل لكم سرابيل تقيكم الحر ) ،السرابيل ،جمع ومفرده السربال ،وهو القميص المتخذ من القطن أو الكتان أو الصوف .وقد اكتفى بذكر الحر في الآية ؛لأن العلم بأحد الضدين وهو الحر ،يستلزم العلم بالضد الآخر وهو البرد .
قوله: ( وسرابيل تقيكم بأسكم ) ،البأس معناه الشدة .والمراد بها ههنا: شدة الطعن والضرب والرمي .والسرابيل التي تدرأ أذى المعتدين عمن يلبسها ،يراد بها: الدروع من الحديد .وهذا يدل على اتخاذ العدة للجهاد للاستعانة بها على قتال الأعداء .ولا مساغ للمسلم أن يستسلم للهوان والطعن والضرب من غير أن يحتاط لنفسه تمام الحيطة ،وأن يتخذ لذلك عدته من لبس لأمة{[2584]} الحرب .
قوله: ( كذلك يتم نعمته عليكم لعلكم تسلمون ) ،الكاف في اسم الإشارة ،صفة لمصدر محذوف ؛أي مثل ذلك الإتمام يتم الله نعمته عليكم .فمثل ما خلق هذه الأشياء لكم وأنعم بها عليكم ؛فإنه يتم عليكم نعمة الدنيا والدين ،( لعلكم تسلمون ) بضم التاء ،وهو قول أكثر المفسرين ؛أي: تخلصون لله الربوبية ،وتستسلمون لأمره ،وتبادرون لطاعته شكرا لنعمه عليكم .